أولى

«سد الخراب» واستحضارعملاء «كامب ديفيد» للكيان الصهيوني…!

 د. جمال زهران _

إنّ سد النهضة «الأثيوبي»، المعروف بـ «سد الخراب»، يمثل تحدياً وجودياً للشعب المصري، وتضيق كلّ يوم، بل كل ساعة فرص مصر، ومعها السودان في تجنب أو تفادي الآثار الكارثية لهذا السد المؤامرة من بدايته وحتى الآن. ولا شك أنه لم يعد متبقياً من الزمن إلا أيام قليلة، وتتلاشى للأبد خيارات استخدام القوة العسكرية لإزالة هذا السد من الوجود، واعتباره كأن لم يكن، مع تصاعد حدة المواجهة الأثيوبية الفجة مع جيرانها في مصر والسودان، بل ويصبح هذا السد يحمي نفسه بنفسه!! وقد كانت اتفاقية المبادئ الموقعة في مارس 2015 بين مصر والسودان وأثيوبيا، هي الاتفاقية الكارثية، ولا تزال سرية حتى الآن، ولم تعرض على البرلمان المصري، وطبقاً للمادة (151) من دستور مصر لعام 2014، فهي غير شرعية وغير دستورية!! ومن أسف أنه لا يزال صانع القرار في مصر، وفي السودان متمسكاً بها رغم الاستخدام السيّئ من جانب أثيوبيا لها في كل المحافل الدولية والإقليمية، وحققت انتصارات بلا حدود، وهي مستمرة حتى يصير السد أمراً واقعاً، في ذات الوقت الذي تصمت السلطات في مصر والسودان، على ما يحدث، بخلاف «الكلام الذي يمثل ضجيجاً بلا طحن»، ترويضاً للشعبين المصري والسوداني!! للوصول إلى نهاية المحطة بقبول الأمر الواقع والتسليم بالقدر الذي صنعه المتآمرون بلا شك!

فكل الدراسات والأبحاث، تؤكد أنّ أكثر من نصف الشعب المصري، والسوداني إلى زوال، بعد إتمام السد وتثبيت دعائمه، بدون الدخول في تفاصيل، أي أنها إبادة جماعية منظمة، لم تجد من أعلى السلطات في البلدين من يوقفها للأسف، لكنها واقعة وحتمية.

وحيث أنّ الملئ الثاني لـ «سد الخراب» مستمر، حتى نهاية يوليو الجاري، وقد يصل المخزون إلى (14) مليار متر مكعب، في نفس الوقت فشلت جميع الجهود الدبلوماسية وكل الخيارات السلمية لكل من مصر والسودان وآخرها جلسة مجلس الأمن يوم الخميس 8 يوليو، والتي توافقت على إحالة الملف إلى الاتحاد الأفريقي – المنحاز لأثيوبيا – واستمرار المفاوضات، وكانت كل أعضاء مجلس الأمن ضد مصر والسودان، عدا تونس التي طرحت مشروعاً لقرار يصدره المجلس، وتجاهل عرضه أو الإشارة إليه! في ظلّ هذا كله، يخرج علينا عملاء «كامب ديفيد»، تلك هي المؤامرة المصرية على القضية الفلسطينية والعروبة، لكي يعلنون على الملأ، أنّ مفتاح حلّ أزمة سد النهضة (الخراب)، بيد الكيان الصهيوني (إسرائيل)، فهي التي تملك الحل والربط، والتأثير على أثيوبيا! حيث أنّ المقابل لذلك ضمنياً أو الثمن المقابل الذي تحصل عليه (إسرائيل)، هو الحصول على مياه النيل، وتوصيلها إلى صحراء النقب. ويشير البعض إلى أن البنية التحتية قد تم إعدادها بالفعل وهي أنه قد تم إنشاء (4) سحارات في سرابيوم لنقل المياه بالفعل من تحت قناة السويس، وتم افتتاحها رسمياً تحت لافتة، تعمير سيناء وزراعتها ضمن المشروع التنموي لسيناء، حسب التصريحات الرسمية في مصر. ويصل البعض في ما ينشر إلى أنّ المياه قد وصلت إلى (إسرائيل) فعلاً وسط تعتيم كبير، والتي حصلت على الثمن فعلياً، ولا يتبقى إلا الإعلان الظاهري، عن التدخل الأثيوبي لضمان الإفراج الأثيوبي عن المياه لكل من مصر والسودان، ونصبح أمام أمر واقع بكل أسف. ووصل التحليل بالبعض إلى أن صفقة التطبيع السوداني الصهيوني، هي جزء من التمهيد لمثل هذا القرار الاستراتيجي الخطير، الذي يقف خلفه عقول صهيونية في داخل كل الدول الأطراف بلا شك!

ولا شك أن ما صرح به د. مصطفى الفقي (سكرتير مبارك للمعلومات سابقاً، ومدير مكتبة الإسكندرية حالياً) منذ أيام، من أنّ «إسرائيل» هي الورقة الحلّ، لأزمة سد «الخراب»، وسط صمت السلطات في مصر والسودان، لهو المقدمة لهذا الخيار النهائي، وتلك هي جريمة العصر الجديدة في المنطقة، تسهم في ضمان الهيمنة الصهيونية ومن ورائها الاستعمار الأميركي الأوروبي للأبد، وفي المقابل ضياع الهوية العربية والإسلامية من جانب، ومن جانب آخر ضياع الدور القيادي لمصر، والذي بدأ بكامب ديفيد، لينتهي تماماً ونشيعه للأبد، مع اتفاق عام 2015، وضياع حصة مصر من مياه النيل المقدرة بـ (55.5 مليار م3)، وإدخال الصهاينة طرفاً حاسماً في الوساطة مع أثيوبيا، وليصبح الصهاينة هم القوة المهيمنة على المنطقة. ولعلّ هذا التصور والتداعي، حال حسم خيار الوساطة الصهيونية!

إن جريمة العصر الجديدة، هي ما فجره عملاء كامب ديفيد، بالدفع بالكيان الصهيوني ليكون آخر ورقة في إدارة أزمة سد «الخراب»، ويتجاهلون بطبيعة الحال الخيارات الأخرى وأهمّها الخيار العسكري، على خلفية أن هذا الخيار لا يتسق مع من صنعوا ووقعوا اتفاق المبادئ عام 2015، والذي لا يزال «سرياً»، وغير رسمي، وغير دستوري حتى الآن، ولذلك فإنّ الشعب المصري والعربي عموماً، سيدفع الثمن فادحاً لعقود مقبلة، بسبب استمرار سياسات كامب ديفيد، وعملائها في المواقع السلطوية. والخيار عندنا هو، إلغاء اتفاق 2015، غير الدستوري، وضرب السد فوراً قبل إتمام الملئ الثاني، وإلا فانتظروا الكوارث تباعاً، بل زلزال سيهز المنطقة بعنف، وإنا لمنتظرون.

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى