أولى

اقتصاد المحروقات في لبنان

يقدّم سوق المحروقات في لبنان فرصة نموذجيّة للإطلالة على المشهدين الاقتصادي والسياسي الداخليّ والخارجيّ، حيث تحتشد فيه عناصر تبدأ بالإصرار على استيراد كميّات تفوق الحاجة المباشرة للسوق اللبنانيّة، وتعمّد إبقاء الباب مشرعاً لتهريب يخرب الاقتصاد السوريّ ويستنزف دولاراته، بينما تقنن الدولة السوريّة توزيع المحروقات وتسعى لاستثمار دولارات القطاع الخاص في البناء الاقتصادي المنتج، ويشكل التهريب فرصة للسيطرة على أموال المصرف المركزي برضا القيّمين عليه لأنه يمول العملية طوعاً، وهي أموال الدولة والمودعين التي يتم نقلها بهذه الطريقة الى حسابات الموردين والتجار واصحاب النفوذ.

تكشف الشراكات في ملكية شركات استيراد وتوزيع المحروقات جمعها بين أصحاب الكارتل واصحاب النفوذ السياسي بصورة لا تعبر بمثلها أي من القطاعات الأخرى، باعتبار أن أغلب الأحزاب الكبرى كانت تمتلك شركاتها الخاصة لاستيراد وتوزيع المحروقات في فترة الحرب الأهليّة، فيما تكشف شبكة المحطات التي تتولّى بيع المحروقات عن شبكات الماكينات الحزبيّة التي نال رموزها تراخيص إنشاء محطات لبيع المحروقات تلعب دوراً فاعلاً في تنظيم الماكينات الانتخابيّة وتشكل نقاط ارتكاز في التجمّعات في المناسبات الحزبيّة.

جرى ويجري استبعاد خيار حصر المشتقات النفطية المدعومة بكمية محدودة وفقاً لبطاقة لكل سيارة بكمية لا تتعدى مئة ليتر شهرياً وضعفها لسيارات التاكسي، وبكمية مدروسة من المازوت للمولدات وللتدفئة، على أن يباع الباقي لمن يرغب بسعر السوق وفوقه ضريبة تعوّض بعض المال المنفق على الدعم، وهذا يتكفل بوقف التهريب وبالتالي تخفيض الكميات المستوردة الى النصف على الأقل.

كانت تشكل فاتورة استيراد المحروقات إذا أضيف الفيول اللازم لتوليد الكهرباء ربع فاتورة المستوردات قبل الأزمة، ومع انخفاض المستوردات وارتفاع حجم وكلفة استيراد المحروقات بعد الأزمة بفعل إغراء الدعم للتهريب صارت فاتورة استيراد المحروقات 60% من إجمالي المستوردات البالغة 10 مليارات دولار حسب تقديرات عام 2020، ويكفي تأمينها من دون استنزاف السوق بالطلب على الدولار لتحقيق فائض في العملات الصعبة باعتبار مجموع عائدات التحويلات الخارجيّة للبنانيين والصادرات البالغة 8 مليارات دولار، أي ضعف المستوردات من دون المحروقات.

تقول التجربة الرائدة للحصول على اتفاق مبادلة النفط الخام بين لبنان والعراق إن بالإمكان توسيع نطاقها لتأمين كمية تكفي حاجات كهرباء لبنان لعام بدلاً من أربعة شهور فقط، وتأمين مثلها من دول أخرى لمقايضتها بمشتقات كالبنزين والمازوت، أسوة بما سيجري مع الكميّة الموردة من العراق لقاء كميات فيول موازية.

مع فرص ولادة حكومة جديدة يشكل برنامج مفصّل سهل وبسيط في ملف المحروقات إجابة متعددة على قضايا الدعم وتخفيض سعر الدولار وتأمين السوق بحاجاته من البنزين والمازوت وتوفير الكهرباء.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى