مقالات وآراء

الدولة في خلدة.. إعلان لعدم وجود الدولة!

} د. وفيق ابراهيم

عندما تنصبُ مجموعة من المسلحين حواجز على أسطح مبانٍ في منطقة خلدة وتطلق النار عشوائياً على مدنيين كانوا منتشرين في مناطق مختلفة من دون أيّ تدخل فاعل من جيش لبنان والأجهزة الأمنية الأخرى، فإنّ خللاً أمنياً كبيراً أصاب مدنيين ومجموعات من حزب الله كانت تشيّع أحد الضحايا في المكان وعناصر من الجيش اللبناني.

هذا الحدث الأمني الخطير لا يجب أن يمرّ على أنه مجرد اشتباك بسيط تنتهي آثاره فور انتهاء إشاراته الأمنية. فكيف يمكن للجيش أن يشارك في قتال في وجه عصابات مدنية أمنية ويتركها في خاتمة القتال من دون أيّ مترتبات تتعلق باعتقالها على الأقلّ والإمساك بقادتها وتحديد أهدافها ومنعها من الفرار لإنجاز مهام تضرب الأمن في مناطق أخرى.

لذلك، فإنّ اشتباكات خلدة ليست حدثاً أمنياً عابراً بقدر ما هي دلالة على وجود بؤر أمنية مستعدة لإنجاز أعمال أمنية تشكل إساءة للأدوار الوطنية للجيش اللبناني.

لكنّ المتعمِّق الفعلي في هذه الأحداث لا يستطيع أن يهرب من مناقشة الحقيقة لأنّ الهجوم على حزب الله من أطراف لبنانية أمنية هو أساساً هجوم يصبُّ في خدمة العدو «الإسرائيلي» وهو ما لا يستطيع أحد أن ينفيه لأنه شديد الوضوح، فحزب الله يقاتل العدو «الإسرائيلي» ومشروعه الداخلي وأيّ استهداف له هو رمي على حقيقة عسكرية تتأهّب كلّ يوم لنصب كمائن لـ «إسرائيل» في جنوب لبنان ومناطق أخرى.

على الجانب الآخر، يبدو أنّ مشاركة حزب الله في القتال في شرق سورية وبعض مناطقها الأخرى ليس إلا من الجوانب التي تسمح للأميركيين بالتحريض على الحزب في الداخل اللبناني، فعرب المسلخ والكثير من القوى اللبنانية الأخرى ليسوا إلا أدوات أميركية للاعتداء على حزب الله مع إثارة الوضع الداخلي اللبناني على بعضه بعضاً بما يؤدي إلى إضعاف دور الحزب في قتال «إسرائيل» والأميركيين والإرهاب في سورية ولبنان وعند الحدود مع فلسطين المحتلة.

بذلك يتضح أنّ كمائن خلدة إنما هي معارك قابلة للتجدُّد على شكل اعتداءات في وجه الحزب، علماً أنها الحادثة الثانية من نوعها وليست الأولى إذ سبق لعرب خلدة أن نصبوا كمائن قوية في وجه الحزب قبل عدة أشهر.

هناك صامتان كبيران على هذا الوضع حزب الله أولاً والدولة اللبنانية ثانياً، لجهة حزب الله فإنه يربط عرب خلدة بالطائفة السنية في لبنان باذلاً جهوداً كبيرة لتجنُّب مواجهتها كما تريد بعض الأطراف، فالحزب هنا حريص على تجنُّب تصوير نفسه وكأنه يقاتل السنة باسم الشيعة، لذلك فهو يفضل جعل هذه المسائل محدودة وغير قابلة للتطوّر إلى حروب كبيرة والدليل أنّ كبار الحزبيين اعترفوا أمس بقدرة حزب الله على إنهاء حالة عرب المسلخ في خلدة نهائياً لكنه أشار إلى خطورة الدور السني المُراد نصبه لعرقلة الدور الوطني للحزب.

هنا يبدو أنّ الدولة اللبنانية هي التي تمتلك أدوات وطنية لإعادة الدور الوطني للقوى المشابهة لحزب الله وهي التي تستطيع حماية الدور الوطني لحزب الله من بعض القوى المشبوهة التي يبدو أنها مُكلَّفة بتدمير الوحدة الوطنية الداخلية عن طريق دعم صراعات بين مسيحيين وسنة ودروز وشيعة وسنة، وهذه أدوار لا يستطيع ضربها إلا الدولة اللبنانية صاحبة الضفة الوطنية في هذه المضامين.

هذا ما يؤكد على الدور الوطني للجيش فلا أحد يريد من جيشه قتل أبناء الطوائف الأخرى، لكنّ اللبنانيين يريدون نزع فتيل الفتنة عن محاولات إضفاء عناصر طائفية على بعض حركات الجيش اللبناني.

هنا لا بدّ من التساؤل: كيف يصمت الجيش عن تحركات بدو خلدة الواضحة بأبعادها الطائفية والتي حاولت منعه من التقدم بعد لقاء خلدة المشبوه لوقف هجمات البدو على عناصر حزب الله، وهذا الجيش كان متأكداً من الدور الذي لجأ إليه عرب خلدة عندما أراد جعل حزب الله متورّطاً طائفياً في معارك طائفية.

فما كان ممكناً لحزب الله المضيّ في معارك في وجه عرب خلدة وهو العارف بأبعادها المذهبية والطائفية.

والملمّ بعمق بمدى استخدام معارك هؤلاء العرب لخدمة مشروع يريد الإساءة إلى العلاقات الشيعية السنية، وهذا يشير بوضوح إلى أنّ احتمالات معارك متشابهة بين طوائف أخرى ليست ببعيدة لأنّ المطلوب هو ضرب وحدة الساحة اللبنانية.

هذا الوضع يتطلب فرضيتين العودة السريعة والقوية للدور الوطني للجيش اللبناني مع ضرورة عثور حزب الله على وسائل يستخدمها لتأجيج دوره الوطني في مناطق المدن، خصوصاً في العاصمة وسواها.

المطلوب إذاً من الجيش من جهة وحزب الله من جهة ثانية ابتكار وسائل تؤكد على البعد الوطني العميق لأدوارهم وإزاحة محاولات استعمال الأساليب غير الوطنية التي لا تفعل إلا ضرب الدور الوطني وتأجيج الصراعات المذهبية والسماح لـ «إسرائيل» من جهة والأميركيين من جهة ثانية، باستغلال هذه الخلافات للنيل من الدور الوطني وإضعاف الوحدة الوطنية اللبنانية.

المطلوب إذاً اجتماعات بين الدولة وحزب الله لوضع أسُس لتحركات بين الطرفين تجهض إمكانية الحرب الأهلية وتؤسِّس للبنان الجديد القائم على التآخي بين طوائفه وأحزابه لما فيه ضرورة التصدي لـ «إسرائيل».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى