مقالات وآراء

«القوات» تحاول استغلال حرب «إسرائيلية على لبنان

} د. وفيق إبراهيم

تكشف المناوشات الصاروخية في جنوب لبنان أنّ هناك اتجاهات لتصعيد الحرب الأميركية السياسية والعسكرية.

فهناك اتجاه غربي يدفع هذه الحرب لتدرك مستوى حرب فعلية ضخمة بين “الإسرائيليين” من جهة وحزب الله من جهة أخرى.

وبما أنّ لاعبين متعدّدين يتجمّعون في الساحة اللبنانية فهؤلاء لن يبقوا صامتين معتصمين بصبر المهزومين وهم أمام وسيلتين: إما التخلي عن المشروع السياسي السوري – الإيراني وهذا يعني التخلي عن المقاومة في وجه “إسرائيل” والمشروع الفرنسي الأوروبي الأميركي، أو العودة إلى مقاومة أي هجوم “إسرائيلي” انطلاقاً من جنوب لبنان ودعم مشروع غزة وصمود حزب الله.

بدا في اليومين الماضيين أنّ الجبهة اللبنانية في قتال العدو “الإسرائيلي” ليست ثانوية لأنّ هناك طرفاً هو حزب الله أخذ على عاتقه تولي مهمة قتال “إسرائيل” حتى نهايتها منتصباً في وجه أطراف عربية إضافية، رسمت حلفاً موالياً لدولة الاحتلال يضمّ مصر والأردن والعراق والإمارات، وهذا الحلف ليس شعبياً بقدر ما يعكس رغبات أميركية وحكومية كحال العراق الذي يندمج في هذا الحلف ممثلاً القوى الحكومية وليس فريق “الحشد الشعبي”، القوة الأساسية في العراق، التي ترفضه وتسعى إلى تشكيل محور كبير يضمّ حزب الله وسورية والحشد الشعبي وتنظيمات فلسطين الخارجية والداخلية ضمن هذا التجاذب الذي يوحي باقتراب حروب متنوعة يخطط الأميركيون من خلالها إلى تشديد السيطرة على شرق سورية والعراق ولبنان السياسي، ويسعى الفرنسيون إلى بناء دور لهم في لبنان مقابل أدوار إيرانية وسورية تعمل ضمن مشروع مقاومة “إسرائيل” والأميركيين.

أما حزب الله فهو فريق متحد مع إيران وسورية ومنفرد في عمله العسكري واللبناني، ساعياً إلى تحرير لبنان من الهيمنة الغربية عليه والمثقلة على دوره منذ 1920، لذلك فهو حليف طبيعي.

هناك أيضاً الدولة اللبنانية حليفة الغرب والتي تريد معاودة إنتاج صيغة حكم بأبعادها التاريخية المعروفة من هيمنة مارونية إنما مع تحالفات مع قوى بارزة من طوائف لبنانية أخرى وهذا نموذج للقاء مار مخايل الذي جمع بين التيار الوطني الحر ورئيسه ميشال عون والذي يترأسه جبران باسيل بعدما أصبح عون رئيساً للجمهورية.

ماذا عن القوات اللبنانية؟ إنها لا تؤدي دوراً أساسياً كالحزب التقدمي الاشتراكي وأحزاب الأرثوذكس والكاثوليك والأرمن،

وهذا يعني أن الأفرقاء القادرين على المشاركة في لعبة أحزاب إنتاج السلطة اللبنانية هم الدولة وهي مارونية القوات والكتائب والتيار الوطني الحر وهؤلاء موارنة وأحزاب المستقبل ومخزومي والشمال هم سنة وحركة أمل وحزب الله هم من الفريق الشيعي.

إنّ النظرة الموضوعية للقوى الحزبية اللبنانية تظهر أنّ مجابهي “إسرائيل”، منهم الحزبان الشيعيان أمل وحزب الله ومجموعة أحزاب وطنية ويسارية شاركت في مواجهة “إسرائيل” منذ السبعينات وحاولت منذ ذلك التاريخ السيطرة على الدولة اللبنانية الفرنسية الجذور بالتحالف بين أفرقاء دوليين ينتمون  إلى المحور الروسي ـ الفلسطيني ـ السوري وأخيراً الإيراني.

بعد هذا التحليل السريع، يتضح أنّ حزب “القوات” يحاول إعادة إنتاج أدوار الكتائب والأحرار القديمة المتحالفة مع “إسرائيل”، والسيطرة على الشارع المسيحي القديم وذلك عبر إرباك التيار الوطني الحر.

تقوم خطة الإرباك على تصوير التيار وكأنه يتخلى عن مفهوم السيطرة المسيحية على لبنان أو تقديم تنازلات كبيرة تؤدي إليها.

حتى أنّ إعلام “القوات” يصوِّر هذه المرحلة وكأنها محاولة لتدمير آخر موقع في المشرق العربي يؤدي فيه مسيحيون مشرقيون أدواراً سياسية أساسية في إنتاج الحكم، وهذا ما نسمعه على لسان البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي يتبنى مقولة القوات محاولاً إضفاء صفة مسيحية صرفة على الدولة اللبنانية، ومعتبراً أنّ هناك هجوماً إسلامياً كاملاً على الدور المسيحي المشرقي مقدماً أمثلة على التراجعات المسيحية المشرقية التي جعلت أقباط مصر يغادرونها ويتراجع عددهم.

بهذا النحيب القواتي يحاول جعجع تحميل مسؤولية تراجع أعداد المسيحيين في المشرق للمسلمين، لكنه لا يفعل إلا إخفاء حاجة الغرب إلى عدد كبير من السكان والدليل موجود في أعداد المسلمين المنتشرين في أوروبا وأميركا ولا يعبّرون إلا عن حاجة هذه الدول إلى عمالة كبيرة تغطي تطورها الصناعي.

لذلك فإنّ محاولات “القوات” استغلال وجود بعض المراكز المسيحية التي لا تزال تعمل طائفياً لن تؤدي قط إلى الدفاع عن مسيحيين مشرقيين هم قلب المنطقة، فالمسيحيون المشرقيون هم أهل البلاد، فكراً واجتماعاً، فيما لا يجسّد جعجع وقواته إلا محاولات لإيقاف التاريخ عند هجمات الفرنجة والصليبيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى