حديث الجمعة

القوة في أضعف الحلقات…

في واحد من أعظم أعمال الكاتب والمؤلف الشهير (ستيفن كينغ) يكتشف شاب يدعى «جيك» بوابة داخل حجرة المؤن في منزله يمكنها أن تأخذه عبر الزمن إلى عام 1958، وبعد قيامه ببضع زيارات وتجارب، ظنّ «جيك» أن بوسعه تغيير التاريخ، وبينما أمضى فترة طويلة في الماضي، لم يمضِ على الوقت الحاضر الذي أتى منه سوى دقيقتين فحسب، لذلك قرر العيش في تلك الحقبة حتى عام 1963، حتى يتمكن من منع اغتيال الرئيس جون ف. كينيدي، معتقداً في قرارة نفسه أنه بهذا التغيير سيسهم في بناء مستقبل مشرق للإنسانية.

عندما رجع إلى الحاضر كان يتوقع مكاناً أفضل نتيجة لما فعله، لكن بدلاً من ذلك حدث العكس، إذ عاد إلى واقع حيث الزلازل منتشرة في كل مكان، ومنزله القديم محطم ومخرب، وقد دمرت الحرب النووية أجزاء كبيرة من المعمورة.

في الواقع جميعنا يعتقد أننا لو استطعنا تغيير شيء بسيط في الماضي، فإننا سنحيا الحياة التي نحلم بها، لكن لو كان بإمكاننا العودة إلى الوراء لنفعل ما نعتقد بأنه الصواب، لرأينا بأمّ أعيننا أن الواقع الجديد بعد التغيير الذي أحدثناه سيغدو مخالفاً تماماً لما توقعناه، إذ إن التغيير البسيط الذي أجريناه على الماضي سيحدث جملة من التبدلات والنتائج الكبيرة على مدار السنوات اللاحقة.

هذا ما يدعى بنظرية (أثر الفراشة) والتي يشرحها التعبير القائل: «رفرفة جناح الفراشة في الصين يمكن أن تتسبّب في حدوث إعصار مدمر في أميركا وأوروبا والشرق الأوسط».

يمكن تشبيه أثر الفراشة بالدومينو المؤلفة من عدد متفاوت من القطع، ما إن تسقط القطعة الصغيرة الأولى حتى تتداعى بقية المجموعة وصولاً إلى أكبر قطعة من السلسلة.

حرب واحدة تحدث خراباً وويلات عالمية، تربية منزلية فاشلة تحدث أثراً سلبياً يمتد لأجيال.

قوة أي أمة لا تكمن بيد أصحاب النفوذ فحسب، بل في الشعب أيضاً الذي يعتبر أساس كل حضارة، ابتداء من الفرد الواحد إذا أولينا تربيته منذ الصغر اهتماماً كبيراً، لغدا في المستقبل واحداً من المشاركين الحقيقيين في عملية النهوض والتنمية.

الواقع ينقل لنا نماذج حيّة تدلّ بشكل صارخ على أننا كلما أدركنا أهمية أضعف حلقة في السلسة (الفرد) حققنا المزيد من التقدم والقوة للأمة بأسرها.

السلسلة لا تقوى إلّا بأضعف حلقاتها، فلا يوجد إنسان على وجه الأرض إلّا ولوجوده معنى وقيمة كبيرة، وبإدراكنا لهذه الحقيقة وسعينا إلى الاسترشاد بها نرتقي بأمتنا.

لم يعش من عاش بعينين لكنه أحادي النظر، ولم يعش من لم يجرب اضطرابات الموج في أعالي البحار.

صباح برجس العلي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى