أولى

مفاهيم الثورة الحسينية في فكر الإمام موسى الصدر

} مصطفى الفوعاني*

انّ حركية عاشوراء ليست حدثاً زمنياً مأساوياً وانتهى، وإنما تشكل عاشوراء (الزمن) وكربلاء (المكان) البعد الحقيقي لبناء الأمة وتثبيت مفاهيم العدالة وانّ هدفها السياسي يتجلى بمحاربة الظلم والطغيان عبر العصور مهما كانت طبيعة هذا الظلم (اجتماعي اقتصادي سياسي تمثل بعدوانية اسرائيل أو بظلم نظام طائفي يسلب الحقوق).

وقد رأى الإمام الصدر انّ الأبعاد العاشورائية تعلم الاجيال طرق النجاة والخلاص، وقد اعتبر الإمام أن احتفالات  عاشوراء ثورة غير مستثمرة وتحتاج الى رعاية وتهذيب ومن هنا تجاوز الإمام بفهم عميق ضرورة التعمق في أبعاد الثورة الحسينية حتى لا تتحوّل إلى طقس جامد: “البكاء لا يكفي، الاحتفال لا يكفي، الحسين لا يحتاج الى ذلك، الحسين شهيد الإصلاح فإذا ساعدنا في اصلاح الأمة نصرناه، وإذا سكتنا او منعنا الإصلاح خذلناه ونصرنا الظالم… والمطلوب عدم الاكتفاء بهذه الاحتفالات كي لا تتحوّل إلى مراسم شكلية متحجّرة يختفي وراءها المذنبون ويطهّر الطغاة ذمتهم امام الشعب بحجة حضورهم المأتم، ولئلا يصبح البكاء والمشاركة في المأتم بديلاً عن العمل وتنفيساً للغضب الثائر والاحتجاج البناء”.

ولقد شدّد الإمام الصدر أنه لا يعترف بالحسينية الجامدة والطقسية الجامدة: “لا أعترف بالحسينية إلا إذا خرّجت أبطالاً يقاتلون العدو الإسرائيلي وان يخرّج من يقف في وجه الظالم ويقول كلمة الحق ويرفض كلّ أنواع الذلّ والعار والسكوت”.

ويعتبر الإمام الصدر انّ كربلاء حلقة في تاريخ الصراع بين الحق والباطل وعلينا إخراجها من الجهود وربطها بالمستقبل وعلينا أن نقف لنعزز ساحة القيم الإنسانية التي لا تنفصل عن الإيمان…

وهذه المفاهيم تعززت أكثر من خلال ما يُعرف بالإسلام القرآني الحي والمتحرك والذي يجعل الإيمان بالإنسان بعداً حقيقياً للإيمان بالله، ولذلك نفهم انّ حركة أمل بمسيرتها التاريخية وفي حاضرها ومستقبلها تتبنى الأهداف الحقيقية لعاشوراء وفي ميثاقها تتجلى ساحة القيم الإنسانية من رفض الظلم الاقتصادي وأسبابه الى رفض نظام الطائفية والمذهبية وكل ما يجمد المواهب ويهدّد مستقبل الأجيال وتحارب الحركة دون هوادة من أجل الإنسان وكرامته وأصالته… وقد رأى الرئيس نبيه بري امتداداً لفهم الإمام الصدر المتميّز عمقاً واحداً منهلاً لا ينضب مصوراً بأسلوب شعري فذٍّ كلّ رؤية الامام الصدر لعاشوراء:

“ هي باء البسملة تمسك اللغة التي تفرّقت عن دمك، مقابل كربلاء المركبة من كرب وبلاء نقول بعاشوراء التي هي العيش وكأنها الانبعاث”.

تفرّقوا عند حياتك واجتمعوا بكاء وندباً وتوبة يجلدهم التاريخ ويجلدون أنفسهم بسوط الندم والشمس من مسافة أعمق في الزمن والتاريخ الى مساحة تتسع للجغرافيا والإنسان، كبرت انت والقضية…

نستأذنك إلى كربلاء من الإمام زيد وصولاً للمقاومة… من التين والزيتون الى حجارة السجيل في فلسطين، للظالم إمداداته الدنيوية، وللمظلوم إمداد واحد هو مداد كربلاء، ليتهم يتقدّمون ولا يلطمون.

انّ الفهم الواعي المنطلق من عمق ايديولوجية حركة امل لعاشوراء ومفاهيمها يشكل عنوان حياة دائم ونقارب ما يحصل على ساحتنا اليوم بعيون عاشوراء، فنحن ننحاز الى الناس والفقراء والمحرومين، ونحن واجهنا الاحتلال الصهيوني وواجهنا الظلم الاقتصادي وأسبابه، ونواجه لتطوير الحياة الكريمة ونرفض إذلال المواطنين عبر كارتيلات الاحتكار والربا وندعو الدولة للقيام بواجباتها ووقف أسباب الانهيار وعدم المسّ بالحقوق وضرورة الإسراع بتشكيل حكومة، وهذا جزء من مشوار طويل لمنع الانزلاق الكبير الى الهاوية، ونحن في حركة امل نتعرّض ومنذ زمن بعيد الى حملة إعلامية ممنهجة للنيل من مواقف الحركة.

ومن عمق التاريخ نستحضر حملات التضليل التي سبقت ورافقت ثورة كربلاء وبعدها تضليلاً وإسقاطاً وتشويهاً ولا غرابة، فأبناء حركة أمل هم الفوج المعاصر لشهداء كربلاء وكلّ هذا التشكيك والطعن لا يثنينا ولا يلوي لنا ذراعاً ولا يظنّن حاقد او جاهل أحمق انّ التطاول على حركة قدّمت الآلاف من الشهداء لتحرير الأرض وحفظ الكرامات يثنينا او يخفف من دورنا…

سنبقى الأمناء على النهج ولن نبدّل تبديلا، ونحفظ لبنان وإنسانه ولن نهادن ظالما وسننتصر…

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*رئيس الهيئة التنفيذية في حركة أمل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى