مقالات وآراء

الانتداب الغربي على لبنان يتصاعد…!

} د. وفيق إبراهيم

كان يُفترض أن يرحل الانتداب الفرنسي في عشرينيات القرن الماضي، فينال لبنان استقلاله ممارساً سياسات مستقلة تأخذ في عين الاعتبار أشقاءه العرب ودول الجيران والصراعات الدولية.

لكن النتيجة جاءت عكس كلّ ما هو متوقع فالتزم لبنان ما يريده المنتدب القديم فيعادي من يعاديه ويهادن من يهادنه حتى لو جاءت الأمور على حساب لبنان ومصالحه.

هذا نموذج يلتزم به لبنان من دون أن يعترض حتى ببنت شفة واحدة.

الأسباب هنا واضحة وتتعلق بالعامل الطائفي الذي يقسم البلد الى مجموعات متناحرة يمسك سياساتها الخارجية العامل الطائفي المسيحي الذي أمسك لبنان منذ عشرينيات القرن الماضي، واضعاً سياسات لبنان الخارجية في خدمة السياسة الخارجية الغربية من دون أيّ اعتراض أو سؤال، ففي الثورات على الفرنسيين أكثر من مرة في بلاد الشام كانت الدولة اللبنانية تصطفّ الى جانب المنتدب والأسباب واضحة.

منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم وسياسة لبنان الخارجية تعكس سياسات فرنسا بشكل حرفي نادر، حتى حين خرجت فرنسا عن الالتزام بالسياسات الدينية لتلتزم بسياسات مدنية حرة أبقتها بالطبع في العالم الغربي، إنما مع شيء كبير من الحريات السياسية والاجتماعية الواسعة كحال معظم الدول الغربية.

الا أنّ لبنان ظلّ يمارس سياسات تبدو في الظاهر مدنية لكنها تتكشف عن كونها سياسات ذات طابع ديني او تاريخي او الاثنين معاً، وما أعطي هذه السياسات أولية ضدّ قسم من اللبنانيين هو التعددية الطائفية اللبنانية التي تعني بالنسبة للبنانيين إما ان تكون فرنسيّ السياسة والهوى او تخسر دولة لبنان وتتركها ترحل نحو العالم الغربي.

هذا الوضع أمسك بتلابيب لبنان وجمّده عند خطوط العام 1920 مستسلماً للمنتدب الفرنسي، لا بأس هنا من الاعتراف ان التطوّر الأميركي في الغرب وظهور النفط حوّلا السياسة اللبنانية من الولاء للفرنسيين الى ولاء لفرنسيين وأميركيين وخليجيين في آن معاً، فأميركا هي الأقوى من الغرب ولا يمكن تجاوزها، والفرنسيون هم الحنين التاريخي الذي لا يمكن فسخ الارتباط به.

الحقيقة انّ لبنان اليوم ساقط في هوة عميقة تربطه بمجموعة من الدول الاستعمارية الكبرى ينقاد لمطالبها، الأمر جعله ساحة كبرى لصراعات محلية وإقليمية، جعلت من طوائفه مطايا، فانقسمت طوائفه بين فرنسية الاتجاه وأخرى أميركية وثالثة تتصل بـ «إسرائيل» بسرية وتسهّل لها الاعتداءات على قوى لبنانية وعربية.

هذا ما يدفع بالعماد ميشال عون رئيس الجمهورية الى محاولة بناء رئاسة جمهورية لا تعمل من أجل حزبه التيار الوطني الحر ولا صهره جبران باسيل.

بل تحاول بناء سياسات يقف عليها لبنان لبناء علاقاته بالشرق والغرب، فلبنان عربي وهذا يعني على الفور تنظيم سياسات مع المنطقة العربية تقوم على السياسة والاقتصاد وهذا ليس موجوداً، اذ يكفي نصب علاقات اقتصادية حتى يصبح لبنان مزدهراً متمكناً ومنسجماً مع إطاره العربي بقسميه الخليجي النفطي والمعادي للأميركيين، ولا يظنّ أحد أنّ هذا أمراً صعباً، انّ الجغرافيا التي تربط لبنان بالعالم العربي هي جغرافيا سورية وحيدة تصل بلاد الأرز بكلّ العالم العربي.

سياسياً، بإمكان لبنان ان يتبنّى سياسات لا تنحاز لمحور عربي على حساب محور آخر، وإنّ محاور العرب ليست شديدة الانقسام، وهذه الانقسامات ليست عميقة لأنها ليست عربية بل أجنبية يتبناها في بعض الأوقات بعض الدول العربية… على سبيل المثال السعودية تناوئ إيران من دون أسباب واضحة وترفض نصب علاقات مع من يقيم معها مثل هذه العلاقات، وهذا يعني رفضها إقامة علاقات اقتصادية مع الذاهبين الى إيران… المشكلة انّ السعودية اليوم في مشكلة، فإيران أعلنت إرسال نفط وغاز الى لبنان مجاناً في حين أنّ هناك إصراراً أميركياً على حصار لبنان ومنعه من الاستفادة من أيّ غاز أو نفط يأتي من الغرب أو من الخليج.

فماذا على الرئيس عون أن يفعل؟ عليه أن يعلن أنّ لبنان مستعدّ لاستقبال أيّ هبات تتعلق بالنفط والغاز. وبالتالي هل يتمكن العماد عون في السنة الأخيرة من عهده من بناء سياسة تأسيسية لمصلحة لبنان على أن تكون دائمة وليس على طريقة قنص الطريدة لمرة واحدة والعودة الى المكان القديم…

يمكن إذاً للعماد عون ان يتميّز لجهة بناء سياسة دائمة تنقذ لبنان من متاعبه الاقتصادية وتجعل من العماد عون قدرة لبنانية كبيرة تؤسّس لمعادلة لبنان المزدهر بشكل دائم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى