مقالات وآراء

لا حاجة للشعب في تكبير حجر تأليف الحكومة

} علي بدر الدين

ليس من الواقعية في شيء، ضخ هذا الكمّ من جرعات التفاؤل باقتراب موعد تأليف الحكومة، وإشاعة أنّ دولاب التأليف وضع على السكة الصحيحة، وأنّ اللواء عباس إبراهيم نجح في وساطته ومساعيه وزياراته المتكررة لرئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وربما لمراجع وأقطاب أخرى، وانّ دعوة الرئيس نبيه بري وإصراره على ضرورة إعلان التأليف هذا الأسبوع، هما مؤشران إيجابيان لولادة قيصرية أو طبيعية للحكومة، عناصر ترافقت مع تحديد وزارة الداخلية موعد الاستحقاق الانتخابي في الثامن من أيار عام ٢.٢٢، وبات تأليفها ملحاً لأنّ الوقت يضيق، والانتخابات على الأبواب، وعلى الحكومة العتيدة الإشراف على العملية الانتخابية، وأنّ المنظومة السياسية تريد الخروج من دوامة التأليف والتفرّغ لإنتاج تحالفاتها ومعاركها الانتخابية وبخ سمومها وأكاذيبها وإطلاق وعودها بالإصلاح والإنقاذ والتغيير والمحاسبة وإعادة ما نُهب من مال عام وخاص وحقوق وأرزاق وكرامات إلى الشعب اللبناني العظيم لتحظى بثقته وأصواته في صناديق الإقتراع، اذا احتاجت إليهما وحصلت الانتخابات النيابية في موعدها المعلن عنه.

 عوامل ربما أوحت للبعض، برش نسمات تفاؤلية، عجلت

  بحلحلة العقد وفكفكت القطب المخفية، والقبول بالتوزيع «العادل والمتساوي» للحقائب، وبرضى المنظومة السياسية بحصصها، أقله لإحداث خرق في جدار الحكومة الموعودة العصية على التأليف بفعل السباق المحتدم بين مكوناتها لاغتصاب حقوق الناس، واستغلال فقرهم وجوعهم وذلهم وانكسارهم وصمتهم لاستمرار السيطرة عليهم وهم في نومهم المغنطيسي والتخديري وتوظيف ذلك في صناديق الإقتراع، قبل أن يستفيقوا من نومهم أو موتهم ويدركوا حجم المعاناة والمأساة التي وضعوا أنفسهم فيها، وكانت سبب مقتلهم.

 غير انّ الوقائع والمعطيات لا توحي لتاريخه، انّ الأمور تسير على ما يُرام أو كما تشتهي المنظومة السياسية التي تتوهّم أنها تملك قرار التأليف وحدها وبمعزل عن التفاهم الإقليمي والدولي، وعن المجتمع الدولي ومساعداته المشروطة، إلا إذا صحّت المعلومات التي تحدّثت عن إنجاز الاتفاق النووي الأميركي الإيراني، وعن معاودة اللقاءات السعودية الإيرانية، والأهمّ نجاح مؤتمر بغداد في تقريب المسافات وعقد الاتفاقات وبروز المصالحات بين اكثر من دولة أجنبية واقليمية وعربية، فإذا كان الحال كذلك، وتقاطعت المصالح ونضجت الطبخة الحكومية، هذا يعني أنّ إعلان التأليف بات «قاب قوسين» وربما تكون ولادتها في هذا الأسبوع على أبعد تقدير.

غير أنّ اللبنانيين المبتلين بهذه المنظومة، التي سقتهم العلقم، وجوّعتهم وأفقرتهم وأذلّتهم وحرمتهم من الغذاء والدواء والكهرباء والماء والهواء والمحروقات، وأدخلتهم في أسواقها السوداء حتى وصل إلى إخراجات القيد، في بعض المناطق والمحافظات وفق ما تداولته بعض وسائل الإعلام، وبكلفة عالية قد لا تصدق! فكيف لهم أن يثقوا بالوعود والكلام والمواقف التي سرعان ما تتبخر وتتطاير في الهواء وتحط في خراجاتهم ومصالحهم وتحاصصهم؟

حتى لا يفقد الشعب «الأمل» بالآتي، و»نجحت» هذه المنظومة بعملية التأليف، بعد ثلاثة مكلفين وما يزيد عن السنة ولبنان من دون حكومة، وقد انهار اقتصاده وأفلست ماليته وجاع شعبه، وتسيّدت «مافيات» الفساد والنصب والاحتيال وتجار الاحتكار والدولار والوقود والدواء والرغيف وغيرها، بتواطؤ وشراكة مكشوفة حيناً ومستورة أحياناً مع عدد غير قليل من أرباب المنظومة السياسية السلطوية، وشكلت هي نفسها الحكومة، وسمّت الوزراء وتقاسمت الحقائب والحصص، من دون خجل وعلى «رأس السطح»، ما الذي سيتغيّر، هل هذه الحكومة الموعودة قادرة على الإنقاذ والمعالجات وإيجاد الحلول للأزمات والمشكلات الضخمة التي هي سببها وتتحمّل المسؤولية كاملة عنها؟ هل ستقود بأشهر قليلة، وهي الخصم والحكم سفينة الإصلاح الحقيقي والتغيير المطلوب ومحاسبة كلّ سارق وفاسد ومرتكب ومزوّر ومحتكر؟ هل هي قادرة على «الدق» بمافيات البنزين والمازوت والغاز والدواء، والكلّ يعلم عنهم الكثير؟ وهناك أسئلة كثيرة ومشروعة ومحزنة وموجعة، لا جواب شافياً عليها من هذه المنظومة التي لا تعرف ان تحكم إلا بالفساد والنهب والتحاصص.

لا حاجة لأحد، ولا مصلحة أو منفعة للشعب من تكبير حجر تأليف الحكومة، إذا ما حصل، ولا ضرورة لـ «تربيح الناس جميلة» بنجاح التأليف وهم الغارقون بالفقر والجوع والبطالة والمرض والقهر والذلّ والحرمان والإهمال، لأن لا فائدة مرجوة منها ولن «تشيل الزير من البير»، وفهمكم كفاية.

يُحكى أنّ أحد السلاطين سمع عن جارية ذكية جريئة صوتها مسموع ورأيها مُطاع، فطلب من أزلامه إحضارها على الفور، وقد مثلت أمامه، وسألها أربعة أسئلة، ومنها، ماذا يعني حب الوطن؟ أجابته: ألا يحكمه الجهلة. وهذا الجواب هو واقع حال لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى