حديث الجمعة

أيُّ زمنٍ وصلنا إليه!!

اليوم وبعد قرون طويلة من الكفاح البشري والتضحيات الكبيرة، حقق الإنسان ما لم يكن يحلم به من قبل، وتمكن من بناء حضارات متطورة، وابتكار تقنيات حديثة، جعلت الحياة أكثر سهولة من أي وقت مضى.

عقد في عام 1998 مؤتمر حول مفهوم القيادة في مدينة سان أنطونيو، سابع أكبر مدينة من حيث السكان في الولايات المتحدة الأميركية، بحضور عالم النفس المعروف (جوزيف منكوسي) الذي ألقى كلمة تحدث فيها عن قواعد النجاح في الحياة الشخصية والمهنية، من منطلق خبرته العلمية ورؤيته الذاتية، نقلها عنه في ما بعد مؤلف كتاب «الإنسان الفعّال».

كان من أهم القواعد التي ركزّ عليها الكاتب هي أن تتعايش وتتقبل الآراء والتصرفات التي تصدر عن الآخرين، كذلك عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، والعطاء اللامحدود، فتلك نواميس الكون، ما تزرعه تحصده، وما تعطيه عن طيب خاطر يرجع إليك بصور شتّى وأكثر مما أعطيت بكثير.

أمّا القاعدة الذهبية التي جاءت في كتابه فكانت تشير إلى أهمية القناعة في حياتنا، بحيث نبسط أنفسنا بأبسط الأشياء من خلال تقديرنا لجوهر الحياة ذاتها.

في الوقت الحاضر نلاحظ مدى صعوبة تطبيق أو انعدام تطبيق هذه القواعد وسط استبداد الفساد، وانتشار الغش، واضمحلال المعاني السامية في مقابل المادة، وهنا يكمن التحدي الجديد، الذي يتطلب الحفاظ على القيم في قلب مجتمعات باتت أبعد ما تكون عن القيم النبيلة!!

قبل عقود قليلة فحسب، كان الناس أكثر شفافية وإنسانية وأخلاقاً من يومنا هذا، حيث صار الكثيرون يعتبرون الصدق ضعفاً، والأمانة غباء، والتحلي بالأخلاق سذاجة، مستشهدين بالمثل القائل «إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب».

وهنا تكمن الصعوبة فكيف لك أن تصدق القول وتتمسك بالمعايير الأخلاقية والتيار العام يسير عكس ذلك إلّا ما رحم ربي !!

بعد أن كانت قيمة الإنسان تقاس بأخلاقه، صارت اليوم تقاس بمقدار المال الذي يملكه، وبعد أن كانت تقاس بعلمه وذكائه، أصبحت الآن تقاس بمكره وحجم أملاكه، حتى ولو كان أكثر الناس جهلاً وانحطاطاً من الناحية الأخلاقية والفكرية!!

صحيح أن المادية تفشت بشكل لا يصدق، لكن هذا لا يمنع أن في الوجود من يفكر بعقل، من يتمسك بخلق، من يضيء الطريق لمن ضلّ السبيل.

التحدي الحقيقي الذي نعيش وسطه هو كيف تحافظ على إنسانيتك وسط عالم مادي يحاول جاهداً النيل من كل ما يمت للإنسانية بصلة.

لم يعش من لم يقاوم…

صباح برجس العلي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى