أخيرة

شعوب معلّقة…!

} د. مريانا أمين

ها نحن أصبحنا شعوباً معلقة على أبواب الأفران والمحطات والسفارات، نشبه قبائل تكاد تندثر؛ هدفنا إنقاذ أنفسنا من الهلاك لا إنقاذ الوطن.

ها نحن أصبحنا شعوباً مقهورة ليتكلم عنا العالم أجمع بعدما كنّا نحن أول من نتضامن مع كلّ مقهور ومحروم على وجه البسيطة.

وطننا كان ولا يزال حتى اليوم يده ممدودة للقريب والغريب بإسم الإنسانية وتحت شعار استقبال الضيف لاجئاً كان أم مستضعفاً، وسنبقى كذلك لأننا فُطرنا على حُب الآخر وعلى خصال العروبة لنبقى أهل الكرم والعنفوان.

فنحن من جلبنا عمّال المنازل من بلاد بعيدة، وأفدنا بلاداً تعتبر شعوبها فقيرة حتى أصبحنا اليوم فقراء أكثر منهم، وكلّ ما نحصله في أشهر لا يكفي لراتب واحد.

نحن تعلّمنا وعلّمنا وخرّجنا الطلاب المتميّزين كي نصبح اليوم في صدارة دول العالم التي تُرحّل الأدمغة إلى بلاد أخرى تستفيد من أفكارهم وتجعلهم يعيشون بكرامة وبحبوحة ليصعب عليهم مع مرور الوقت التخلي عنها.

هل أصبحنا على بعد خطوة من الشجاعة كي نقف متشابكي الأيادي دون الغرق بأفكارنا المتشائمة كي ننهض وينهض الوطن ليعيش الطفل هانئاً ولينام الكهل مطمئناً على مستقبل أولاده.

نعم! نحن شعوب معلقة وكلما حاولنا الوصول إلى برّ الأمان لا نلبث أن نسقط في بطون الأشياء لنغرق في ملاحظات ومحاضرات سخيفة نابعة من عقول فارغة أو من أفكار تدور حول المال والغرور والمظاهر الكاذبة.

هل أصبحنا مولعين في التدمير وعاشقين للفساد وغارقين بما يدور حوله؟

هل أصبحت أصواتنا ترتفع لأجل تشكيل كلمات فقط فلا هي نابعة من القلب ولا من العقل ولا من الضمير ولا حتى من الوطنية!

نعم لقد أصبحنا جاثمين خلف النور ونائمين في الظلام ومعلقين بغصن واحد وكأنه يتدلّى من سطح القمر لنهرب نحو ضجيج يَصُمّ الآذان.

نعم لقد تملّكتنا الأنانية وأصبحنا نحب أنفسنا ونعمل كلّ شيء من أجلها.

ألم ندرك بعد أنّ رخاء الأوطان لم يكن يوماً إلا لرخاء النفوس!؟

فممارساتنا اليومية على المحطات وأمام الأفران وفي الشوارع وكلّ المطارح أليست متصلة بطريقة مباشرة وغير مباشرة بحب النفس وتحريضاً قوياً لها؟

ألم ندرك بعد أننا أصبحنا في قبيلة لبنانية مبنية على حب النفس التي أعمت أبصارنا وأقفلت على قلوبنا ككرة منفوخة في الهواء تنتظر أن نثقبها لتخرج منها العواصف، ولنرتمي جميعنا في أحضان رياح تحرق أجسادنا.

متى تُفتح أبواب النعيم لنصطّف صفوفاً دون أن نتعلق بمشانق الذلّ من صغيرنا لكبيرنا كي ننعم في حضن الأمان… والسلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى