أولى

لقاء «الفرقاء» في بغداد والأمل المعقود…!

 د. جمال زهران*

انعقدت قمة بغداد يوم السبت 29 آب/ أغسطس الماضي، بحضور ومشاركة 9 دول هي: (العراق، مصر، الأردن، الإمارات، السعودية، الكويت، قطر، إيران وتركيا)، وبمشاركة فرنسا (الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون)، والأمين العام لجامعة الدول العربية، والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي للتعاون، والأمين العام لمنظمة مجلس التعاون الخليجي).

وترأس الاجتماع وأداره د. مصطفى الكاظمي (رئيس وزراء العراق الحالي).

وقد حضر من الرؤساء والملوك كأعلى درجة تمثيل ثلاثة من العرب (رئيس مصر/ ملك الأردن/ أمير قطر)، بينما تمّ تمثيل الباقي بمستوى رئيس الوزراء أو وزير الخارجية. بينما حضر الرئيس الفرنسي (ماكرون) بنفسه، وكان مثار اهتمام كلّ وسائل الإعلام، سواء ممثلاً عن فرنسا أو أوروبا أو أميركا، أو الغرب الرأسمالي الاستعماري كله، لا فرق!! فالأجندة الغربية الاستعمارية واحدة بلا شك!

وكان عنوان المؤتمر هو: مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة. فالظاهر من واقع الكلمات الافتتاحية، وحتى البيان الختامي، أنّ عقد المؤتمر استهدف دعم التعاون في كافة المجالات في ما بين الدول الحاضرة للمؤتمر. أما كلمة الشراكة فهي الأهمّ، حيث أنها تحمل معاني التنسيق والترتيب وعقد التحالفات سواء أكانت أمنية أم عسكرية، ثم تأتي التفاصيل التي تتعلق، بأنّ هذه التحالفات موجهة في ما بين مَن؟ وموجهة ضدّ مَن؟! فإذا كان الأمر يتعلق بفكرة التعاونيات، لما عُقد مثل هذا المؤتمر، واقتصر على التعاونيات الثنائية! أما أن يُعقد بهذا العدد وبهذا الحجم وبمشاركة فرنسا وبحضور رئيسها، فإنّ ذلك أمر يثير العديد من التساؤلات ويمكن أن يسجل عليه، العديد من الملاحظات. وقبل ذلك، فإنه يلاحظ أنّ المؤتمر كان قد تمّ الترتيب له، بعقد قمة ثلاثية بين مصر والعراق والأردن، وأطلق على حصاد هذه اللقاءات، بأنها محور الشام الجديد! ويبدو أنّ التسمية كانت غير مرضية لأطراف دولية والأغلب أن تكون الولايات المتحدة في المقدمة، فتمّ استبدال الاسم إلى قمة التعاون والشراكة. ومن المعلومات التي تمّ تسريبها لوسائل الإعلام، أنّ أرض بغداد شهدت لقاءات بين «الفرقاء» للترتيب من أجل نجاح المؤتمر. ومن ذلك لقاء سعودي/ إيراني، ولقاء سعودي/ تركي، فضلاً عن الجهود التي بذلتها دولة قطر على المستوى الدبلوماسي في سبيل تقريب المسافات وعقد المؤتمر دون حدوث مشاكل! وكان قد سبق عقد المؤتمر، زيارة مصطفى الكاظمي (رئيس وزراء العراق)، إلى الولايات المتحدة، والتي تعرّض فيها لإهانة بروتوكولية، أشرنا إليها في مقال سابق، حيث استقبل باعتباره ممثلاً عن دولة محتلة، وبالتالي هو موظف كبير لدى الإدارة الأميركية. ولم يتمّ ترتيب مراسم استقبال باعتباره رئيساً لوزراء دولة برلمانية، أي أنه صاحب السلطة الفعلية!! ولكن المهمّ أنّ ترتيب اللقاء، وتسميته والأطراف المطلوب حضورها ودعوتها، كان هو صلب الزيارة، وتمّ استعجال الأمر فور عودة الكاظمي، وتنفيذ التوجيهات إنْ لم تكن الأوامر الأميركية. وحيث أنّ أميركا برئيسها ومؤسساتها، مشغولة بالانسحاب الإجباري للقوات الأميركية ورعاياها من أفغانستان، لذلك فقد صدر التكليف الأميركي لرئيس فرنسا بالحضور، توسعة لدور فرنسي، بديلاً أو بالوكالة عن أميركا التي بدأت الانسحاب من الإقليم كما نرى ذلك، ونتوقع استمرار الانسحاب من سورية والعراق!

ومن ملاحظاتي الموضوعية على هذا المؤتمر، ما يلي:

1 ـ أنّ تجاهل دول ثلاث أساسية هي: سورية ولبنان وفلسطين، يصبّ في أنّ هذا المؤتمر لم يكن يستهدف في ترتيباته إحداث تقارب حقيقي في الإقليم، ومواجهة حاسمة مع قضاياه وأزماته، بالأزمة السورية والأزمة اللبنانية، والقضية الفلسطينية، لم يكن هناك من يتبنى فك الحصار الغربي الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وإدارة بايدن الديمقراطي، حيث كان من الواجب عليه إعادة النظر في سياسات سلفه ترامب بصورة أفضل تأتي في صف الشعوب التي وصلت إلى حدّ الكفاف!

2 ـ أنّ دعوة تركيا وإيران، وهما دولتان جارتان ملاصقتان للإقليم العربي، هو اعتراف بالدور الذي تلعبه كلاً من الدولتين على حدة في المنطقة إيجاباً وسلباً. ومن ثم فإنّ التقارب بين دول عربية معينة أهمّها السعودية، وبين هاتين الدولتين، له أولوية كبرى في خرائط الإقليم. ولذلك فإنّ قبول كلّ الأطراف الإقليمية الجلوس معاً، هو جلوس الفرقاء والمتخاصمين بل والمتصارعين في الإقليم في ضوء أجندات كلّ طرف.

3 ـ أنّ حضور ومشاركة الرئيس الفرنسي (ماكرون)، يأتي في إطار التوسعة الأميركية لدور فرنسي لديه الرغبة في ممارسة هذا الدور، ولعلّ «التدخل» الواسع في لبنان خير مثال، من جانب. ومن جانب آخر يأتي في إطار توزيع الأدوار، مع الرغبة الأميركية في الانسحاب التدريجي من الإقليم، دون أن يترك هذا الإقليم في فراغ القوى الكبرى في الغرب. وهو في المعنى الأخير، إخضاع الإقليم للهيمنة الاستعمارية الأميركية بشكل غير مباشر.

4 ـ أنّ الكلمات التي ألقيت بالتتابع، حرصت على ما يصبّ في إطار الأهداف المرتبة للمؤتمر، بدعم التعاون الاقتصادي والمشاركة في تحقيق المصالح المشتركة وتحقيق الأمن المشترك. ولم يتضمّن نقداً للقوى الكبرى التي تمارس أدواراً سلبية في حصار الإقليم والإصرار على خضوعه للهيمنة الأميركية، باستثناء إيران التي كانت كلمتها في نهاية كلمات الوفود، أطول من حيث الوقت مقارنة بالآخرين، وصبّت هجوماً ضدّ أميركا بشكل مباشر، وبالاسم دون اكتفاء بإشارات ضمنية. فقد وجه وزير خارجيتها الجديد (حسين أمير عبد اللهيان) في حكومة الرئيس الجديد (رئيسي)، نقداً لاذعاً ومباشراً للولايات المتحدة، بأن حمّلها المسؤولية عن كلّ مآسي المنطقة، بتدخلها السافر في شئونها الداخلية بالمخالفة لمواثيق الأمم المتحدة. كما حيا سورية الصديقة وأعلن عن التمني بحضورها مثل هذا الاجتماع لبدء فترة جديدة بعد المؤتمر، إلا أنه يأسف لذلك.

ولذلك فقد قام وزير الخارجية الإيراني فور الانتهاء من المؤتمر، الذهاب مباشرة إلى سورية لتأكيد التضامن مع سورية الصديقة وحلفاء إيران في لبنان (حزب الله). كما أنه فاجأ الجميع بإلقاء كلمته باللغة العربية!

5 ـ لم تخرج كلمة ماكرون، عن أنّ هدف المؤتمر هو دعم التعاون، وأنّ فرنسا شريك تجاري كبير لدول المنطقة، وشريك في إعادة إعمار الإقليم والمنطقة. والمؤسف أنّ أميركا وأوروبا يأتون إلى الإقليم لكي يهدموه ويحتلوه وينهبوا ثرواته، ثم يزعمون المشاركة في إعادة الإعمار، دعماً للاقتصاد الرأسمالي، واستمراراً للنهب المنظم والممنهج!

وقد تبارى المحللون حول دور إقليمي جديد للعراق، وضرورة دعمه في إجراء الانتخابات في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، كما ورد في كلمة الكاظمي (رئيس الوزراء العراقي ورئيس المؤتمر)، وهو الذي حث كلّ الأطراف الحاضرة على استعادة الثقة، واعتبار بغداد محطة دولية للسلام والحوار والوئام الإقليمي، مشيراً إلى ما تمّ عقده دون إعلان، من اجتماعات تمهيدية لهذا المؤتمر.

والخلاصة أنّ هذا المؤتمر الذي عقد بين الفرقاء (عرب، ودول جوار، برعاية فرنسية)، لا يُنتظر منه نتائج إيجابية، بل هي محاولة لإعادة هيكلة الإقليم، في الصالح الأميركي والغرب الاستعماري، ولذلك غلب حضور الحلفاء مع الإدارة الأميركية من العرب على طول الحظ وبدون هامش استقلالية. ولذلك لا يُرجى الخير من هذه النوعية من المؤتمرات الداعمة للاستعمار الأميركي، والمشروع الصهيوني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى