أولى

درعا: حسم الهوية

منذ الاتفاق الذي أنهى المواجهة في جنوب سورية قبل أربع سنوات، بعد اندفاعة الجيش السوري لحسم الموقف، ونجاحه بتحقيق اختراقات حاسمة في جبهة مناوئيه بدعم الحليف الروسي ومشاركة قوى المقاومة، كان واضحاً أنّ التسوية التي ضمنت تشكيل فصائل تضمّ الراغبين من الجماعات المسلحة بالانضواء تحت رعاية روسية في صيغة تؤهّلهم للمشاركة بالتسوية السياسية هي حلّ مؤقت، قد يتحوّل الى دائم في حال أفرج الخارج عن الحلّ السياسي الشامل، فتتحوّل هذه التشكيلات الى مدخل لاندماج الكثير من مثيلاتها في بنية أمنية وعسكرية للدولة، ولكنه في حال فشل التسوية السياسية الشاملة وتعثرها سيشكل قنبلة موقوتة تجعل المواجهة قادمة لا محالة.

ما شهدته درعا ومن خلالها جنوب سورية خلال الشهور الماضية كان تعبيراً عن انفجار هذا الوضع الانتقالي، حيث تحوّل تعثر الحلّ السياسي الشامل الى إطار لمواجهة بين الدولة السورية والقوى الخارجية والداخلية التي لا تزال تعيش حال الانكار لهزيمتها، ووقوعها تحت تأثير رهانات بقلب المعادلات الجديدة، ورهانها على تحويل الوضع الانتقالي الى نقطة انطلاق لإيصال رسائل متفجرة للدولة السورية، فكانت السيارات الانتحارية والكمائن المسلحة وسقط الشهداء والجرحى في صفوف الجيش السوري مراراً، وفشلت محاولات إنعاش التسوية بصيغتها الأصلية وضبط الجماعات المسلحة تحت سقف الرعاية الروسية.

بعد المعارك الأخيرة تسارعت الأحداث لاستحالة ان تعيش محاولات إنعاش التسوية السابقة بشروطها التي تحافظ على الوضع القابل للانفجار في أي لحظة، حتى قررت الدولة السورية أنّ الحسم هو الطريق الوحيد لوقف الاستنزاف، فوضعت قواعد التسويات التي طبقت في مناطق سورية عديدة سابقا أمام الجماعات المسلحة في درعا كسقف لقبول اي وقف لإطلاق النار، وبعد تدرج في جرعات الحسم العسكري سلمت هذه الجماعات بشروط الدولة السورية وانصاعت للمعادلة الجديدة.

درعا ومن خلالها الجنوب في عهدة الدولة السورية، هذا تحول كبير في معادلات مستقبل سورية وحضور دولتها، لكنه تحول في التوازنات المحيطة بمستقبل سورية وتوازنات الإقليم من حولها، على حدود الأردن، والعراق، والحضور المباشر لقاعدة التنف الأميركية والإحتلال «الإسرائيلي»، والمعادلة الجديدة تقول انّ القوى التي قدّمت الإسناد السياسي لتحويل تسوية الجنوب السابقة الى إطار لاستنزاف الدولة السورية ليست جاهزة لخوض مواجهة أوسع لتقديم الحماية للجماعات المسلحة التي تركت وحيدة لتدفع ثمن تلاعبها بتطبيق شروط التسوية.

العبرة التي تقدمها تجربة درعا لسائر الجماعات المسلحة في شمال سورية، هي ان لا أحد مستعدّاً عندما تدقّ ساعة المواجهة ليدفع عن هذه الجماعات فواتير الرهانات الخاطئة، وان الطريق الوحيد المتاح هو التسليم بأن زمن العبث بأمن سورية والتمرّد على قواتها المسلحة قد انتهى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى