عربيات ودوليات

بيان سفراء مجموعة الدول السبع حول تونس يثير الجدل وانتقادات واسعة

أثار البيان الصادر عن سفراء مجموعة الدول السبع الصناعية حول الوضع في تونس انتقادات واسعة واتهامات بالتدخل في الشأن الداخلي للبلاد، ومحاولة الضغط على الرئيس قيس سعيد لتغيير مسار 25 يوليو.

وحمَل البيان الصادر بتاريخ 6 أيلول دعوة من سفراء مجموعة السبع (الولايات المتحدة، اليابان، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، كندا) إلى الرئيس التونسي «للعودة إلى نظام دستوري يضطلع فيه برلمان منتخب بدور بارز».

وشدّد البيان على ضرورة تعيين رئيس حكومة جديد «حتى يتسنّى تشكيل حكومة مقتدرة تستطيع معالجة الأزمات الراهنة التي تواجه تونس على الصعيدين، الاقتصادي والصحي»، بشكل «يفسح المجال لحوار شامل حول الإصلاحات الدستورية والانتخابية المُقترَحة».

وحثّ سفراء مجموعة السبع على «الالتزام العام باحترام الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لجميع التونسيين وباحترام سيادة القانون أثناء بلورة هذا المسار».

وأضافوا: «كلّما أسرع الرئيس قيس سعيد في تحديد توجّه واضح بشأن سُبل المضي قدماً بشكل يستجيب لاحتياجات الشعب التونسي، كلما تمكنت تونس من التركيز بشكل أسرع على معالجة التحديات الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي تواجه البلاد».

وفي هذا الإطار، اعتبر الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، أنّ اجتماع «سفراء مجموعة الدول السبع الصناعية في تونس وتناولهم للوضع الداخلي للبلاد وبلورة نقاشاتهم حول الأزمة التونسية صلب بيان وجّه للرأي العام هو سابقة في تاريخ العلاقات التونسية».

وأضاف: «تضمّن البيان توصيات للبقاء في إطار الخيار الديمقراطي وضرورة وجود دستور وبرلمان فاعل دون الإشارة إلى البرلمان الحالي المجمد، وهي مسائل لا خلاف عليها، ولكن التدخل في الشأن الداخلي هو أمر غير مقبول».

ويرى الشابي أنّ «رئيس الدولة قيس سعيد هو من فتح الباب أمام هذا التدخل الخارجي من خلال استقباله للوفود الأجنبية والحديث معها عن الفصل 80 وعن خصومه السياسيين وذكره لأدق التفاصيل المتعلقة بالخلافات الداخلية، عوض الحديث عن المسائل الدولية والأمن والاستقرار في منطقة البحر المتوسط».

وقال إنّ «الرئيس فتح بذلك المجال أمام بعض القوى الداخلية مثل حركة النهضة التي تسعى إلى استغلال علاقاتها الدولية من أجل التأثير على الوضع في تونس»، حيث اعتبر الشابي أنه «كان من الأجدر على رئيس الجمهورية بوصفه رأس الدولة التونسية والجامع لكل السلطات في البلاد أن يجمع الأطياف السياسية والمدنية والمنظمات والشخصيات الوطنية على طاولة الحوار من أجل البحث عن مخرج للوضع الصعب الذي تمر البلاد».

وتابع الشابي: «في غياب الحوار الداخلي وأمام ضعف الاقتصاد الوطني والتداين المفرط وتعطل أعمال مؤسسات الدولة وعدم وجود حكومة فإن هذه الدول الصناعية لم تر حرجاً في التدخل في الشأن التونسي، وفي إبداء الرأي بشأن سبل الخروج من الأزمة».

ويرى الشابي أنّ «تونس ليست في وضع اقتصادي أو مالي أو سياسي يسمح لها بمعاداة هذه القوى والدخول في عزلة دولية، خاصة أنّ دول مجموعة السبع تسيطر على نصف الاقتصاد العالمي وهي الشريك الاقتصادي الأكبر لتونس وفي أحيان كثيرة تتقدم كضامنة للدولة التونسية للحصول على قروض ميسرة من الصناديق المالية العالمية».

فيما قال النائب عن حركة الشعب، رضا الدلاعي، إنّ «بيان سفراء مجموعة الدول السبع الصناعية تضمن تلويحاً بالضغط على تونس في اتجاه فرض خيارات هذه الدول، من خلال استغلال الأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة والفوضى السياسية التي تعيشها البلاد».

وشدّد على أن «رئيس الجمهورية قيس سعيد عليم بما تتطلبه المرحلة القادمة وبضرورة تشكيل حكومة وازنة وقوية، ولكن اختيار هذه الحكومة يتطلب التأني تجنباً للأخطاء السابقة».

وأضاف: «لا يمكن للدولة التونسية أن تمنع هذه الدول من إبداء رأيها وعرض تصوراتها أو منعها من التدخل في شؤونها الداخلية، ولكن أعتقد أنّ رئيس الجمهورية لن يتنازل لهذه القوى الخارجية بقدر ما سيتنازل لإرادة الشعب وللقوى الوطنية».

ويرى الدلاعي أنّ «سد الأبواب أمام هذه القوى للتدخل في الشأن الوطني يتطلب انفتاح الرئيس على المنظمات والأحزاب الوطنية التي ساندت مسار 25 يوليو والتي كانت خارج دائرة المتسببين في إشعال فتيل الأزمة».

وشدد على «ضرورة أن يقدم رئيس الجمهورية خارطة طريق للمرحلة القادمة على قاعدة التشاور منظمات المجتمع المدني ومختلف الفاعلين السياسيين، معتبراً أنّ بناء تصور وطني لهذه الخارطة هو القاعدة الأساسية التي تفرض من خلالها تونس استقلالية قرارها».

على الجانب الآخر، يرى المحلل السياسي، باسل الترجمان، أنّ «بيان سفراء مجموعة الدول السبع الصناعية يتماشى مع توجهات الرئيس قيس سعيد، من خلال إعلان القطيعة التامة مع منظومة ما قبل 25 يوليو وعدم البحث عن إعطائها الشرعية أو عن استعادتها أو العودة إلى ما سبق».

وأضاف أنّ «هذا البيان كان إيجابيا، حيث أكد بشكل واضح على مساندة تونس ولم يكن كما وصفه البعض بيان تهديد بل هو بيان تأييدٍ ودعمٍ للخطوات التي اتخذها الرئيس».

وبيّن الترجمان أنّ «سفراء مجموعة الدول السبع قد دعوا إلى تفعيل نظام دستوري وليس العودة إلى النظام السابق»، قائلاً إنّ البيان «تضمّن قبولاً ضمنياً واضحاً بكل ما أتاه رئيس الدولة قيس سعيد وصولاً إلى التمهيد لتغيير الدستور وشكل النظام السياسي دون المساس بالديمقراطية البرلمانية التي يعتبرها الغرب واحدة من أساسيات العمل الديمقراطي».

ولفت الترجمان إلى أنّ «البيان رغم إيجابية الرسائل التي تضمّنها وتأكيده على ضرورة إرساء حوكمة تتّسم بالنزاهة والفعالية والشفافية»، فإنه يحمّل في المقابل مجموعة السبع مسؤولية سياسية وأخلاقية بشأن الدور الذي اضطلعت به في الفترة المنقضية.

وأوضح أنّ «هذه الدول لم تصدر أي بيان بشأن ما شهدته تونس خلال السبع سنوات التي تلت إقرار دستور 2014 والتزمت الصمت إزاء الفساد المالي والسياسي وغياب الشفافية والنزاهة وانعدام كل أشكال الحوكمة الرشيدة وتهريب القروض التي منحتها إلى تونس».

أما من ناحية الشكل، فيرى الترجمان أنّ «البيان تجاوز الأعراف الدبلوماسية من خلال مخاطبة الرئيس التونسي دون استخدام الصفة كاملة التي يتم التعامل بها في مثل هذه الخطابات»، معتبراً أنه «لا يمكن قبول هذه المخالفة من سفراء تمتلك دولهم تقاليد راسخة في العرف الدبلوماسي».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى