مقالات وآراء

الفلسطينيون وحفر الأنفاق…

} حمزة البشتاوي*

بدأت فكرة بناء الأنفاق عند الفلسطينيين في العصر الحديث كأسلوب دفاعي استخدموه في قواعدهم العسكرية، والمثال الأبرز على ذلك هو الأنفاق التي حفرت قبل العام 1982 من قبل «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة» وباقي الفصائل الفلسطينية لمواجهة غارات الطائرات الحربية «الإسرائيلية»، وذلك لعدم توفر وسائل دفاع جوي مناسبة. وحفرت هذه الأنفاق بتضحيات كبيرة من عرق ودم في باطن الجبال الصخرية والوديان وفوق الأرض وتحتها، واستخدمت في بنائها أحدث التقنيات كي تؤمّن الحماية للأفراد والمعدات لتتحوّل هذه الأنفاق إلى حصون عسكرية استراتيجية يحسب لها الجيش «الإسرائيلي» ألف حساب وحساب.

ولأبناء قطاع غزة نصيب من هذه التجربة حيث أبدعوا وفق الظروف الجغرافية للقطاع في بناء الأنفاق التي أنشئت لعمليات الإمداد والانتقال وتأمين الحركة الآمنة والخفية وتحقيق عنصر المفاجأة الميدانية في المكان والزمان، وهي مختلفة تماماً عن الأنفاق والملاجئ في تل أبيب التي صمّمت فقط من أجل الاختباء بينما أنفاق غزة صمّمت من أجل المواجهة مع الاحتلال، وبرز أيضاً دور هذه الأنفاق في عملية أسر الجندي جلعاد شاليط عام 2006 كما يعتقد بأنّ المقاومة استخدمت الأنفاق أيضاً في أسر الجنديين «الإسرائيليين» شاؤول أرون وهدار غولدن عام 2014. ويعتبر الكثيرون أنّ من أبرز أهداف العملية العسكرية التي أطلق عليها الجيش «الإسرائيلي» اسم (حارس الأسوار) كان تدمير أنفاق المقاومة في غزة والقضاء على مترو حماس وفق التسمية «الإسرائيلية».

وتبرز في عمليات حفر وبناء الأنفاق تجربة اللبنانيين خاصة بعد انتصار أيار عام 2000 حيث ما زال «الإسرائيليين» يتحدثون عن خوفهم الشديد نتيجة سماعهم أصوات تحت الأرض في منطقة الجليل الأعلى والمستوطنات القريبة من مدينة صفد، وهذا الخوف بدأ يكبر بعد ما جرى في سجن جلبوع الذي يُطلق عليه أسم (الخزنة) لشدة تحصينه من الداخل والخارج، كونه سجناً ذا طبيعة عسكرية وأمنية مشدّدة خاصة بعد أن اكتشفت إدارة السجون «الإسرائيلية» في العام 2014 نفقاً يقوم بحفره الأسرى من مرحاض إحدى الزنازين، وهذا لم يمنع ستة أسرى فلسطينيين مجدّداً من حفر نفق وفتح طاقة فرج ليخرجوا منها إلى الحرية بعد أن حوّلوا المستحيل إلى ممكن، لتتحوّل بذلك كلّ الأنفاق الفلسطينية من أنفاق للتحصين والحماية والتدريب والعمليات إلى أنفاق تؤدي إلى الحرية والخلاص من الاحتلال الذي ما زال يوجد في معتقلاته ما يقارب الخمسة آلاف أسير بينهم 41 إمرأة و 225 طفل ينتظرون الضوء وشمس الحرية وليخرجوا من فتحة النفق التي ستضيء كلّ ساحات فلسطين التي سيتذكر أهلها دائماً حكاية التنين والصياد الذي أرسل رسالة بعد أن كسر القيد إلى إدارة سجن جلبوع يقول فيها: (القشاط البني الذي نسيته أجلدوا أنفسكم فيه ونصف (كروز) الدخان رجعوه (للكانتين)، ويوجد قطعتين صابون تركتهم حاولوا أن تغسلوا بهما العار الذي أصابكم) وسوف تصبح حكايته كحكاية ظريف الطول الذي يردّد اليوم إنّ الليل زائل وأن لا غرفة التوقيف باقية ولا زرد السلاسل.

*كاتب وإعلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى