أولى

واشنطن واللحظة النووية الإيرانية الحرجة

يتناقض الكلام الأميركي حول كيفية مقاربة الملف النووي الإيراني، وصولاً لبلوغ اللامنطق، فعندما يتحدث موقع سيادي بارز كوزير الخارجية الأميركي عن فرضية التخلي الأميركي عن الاتفاق النووي، فهو لا يفعل سوى إثارة السخرية، لأنّ الحكومة الأميركية التي نهضت إدارة جو بايدن على أنقاضها سبق وتخلت عن هذا الاتفاق، فماذا ستضيف الإدارة الحالية لذلك التخلي، وبماذا ستفسّر التراجع عن تحميلها للإدارة السابقة مسؤولية انهيار الاتفاق، وما هي بدائلها للاتفاق غير المضي بالعقوبات التي فرضتها الإدارة السابقة ووصفتها الإدارة الجديدة بالسياسة الحمقاء التي ثبت عدم جدواها، وهل يمكن تخيّل أميركا التي تعلن بلسان رئيسها فشل الخيار العسكري في دولة صغيرة بالقياس لإيران مثل أفغانستان، ستعتمد البديل الحربي مع إيران في لحظة الخروج من الحرب في أفغانستان بكل ما فيها من عناصر إذلال لحقت بالصورة الأميركية؟

كلام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، عن التخلي، يتزامن مع سفر المبعوث الأميركي الخاص لشؤون الاتفاق روبرت مالي إلى موسكو طلباً للمساعدة، والموقف الأميركي التقليدي الذي سبق لبلينكن وزميله مستشار الأمن القومي جاك سوليفان أن حذرا من بلوغه، هو ما يسمى باللحظة النووية الحرجة، التي أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران بلغتها، ويقول الأميركيون إنها باتت قريبة جداً من بلوغها، والمقصود اللحظة التي تمتلك فيها إيران من عائد التخصيب المرتفع لليورانيوم ما يكفي لتصنيع أول قنبلة نووية، وهي لحظة لا يمكن استبعادها إلا بتسريع العودة إلى الإتفاق.

واشنطن تعلم أن ما تم التوصل إليه في فيينا لجهة حجم ونوعية وروزنامة العودة الإيرانية للالتزامات المنصوص عليها في الاتفاق هو سقف ما كان ممكناً الحصول عليه مع وجود الإدارة الإيرانية السابقة للرئيس الشيخ حسن روحاني، وأن أعلى درجات المرونة التي يمكن توقعها من الإدارة الإيرانية الجديدة للرئيس السيد إبراهيم رئيسي هو البقاء على هذا السقف، وتعرف بالمقابل أن حجم ونوعية وروزنامة العودة الأميركية عن العقوبات لم يلق موافقة الإدارة الإيرانية السابقة، وأن سقف المرونة الممكن توقعها من الإدارة الإيرانية الجديدة هو عدم التقدم بمطالب إضافية، بحيث لا طريق للعودة للاتفاق إلا بنقلة أميركية نحو التراجع غير المشروط عن كامل العقوبات، مقابل العودة الإيرانية لكامل الالتزامات، وأن البديل لذلك ليس إلا تقدم إيران نحو اللحظة الحرجة التي يقول الأميركيون إنهم يخشون بلوغها، ويتهمون إيران بالتباطؤ في العودة للمفاوضات  سعياً إليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى