مقالات وآراء

المطلوب من الحكومة الجديدة… إنجازات ملموسة لا معجزات

} أحمد بهجة

الانطباع الأول لدى عموم اللبنانيين بعد تشكيل الحكومة الجديدة هو انطباع إيجابي مهما اختلفت الآراء والانتماءات السياسية، ومهما كانت المواقف من الأفرقاء السياسيين المشاركين في هذه الحكومة.

ذلك أنّ البلد بعد 13 شهراً على استقالة حكومة الرئيس حسان دياب لم يعد يحتمل عدم وجود حكومة فاعلة ولديها القدرة على اتخاذ القرار، أقلّه لفرملة المسار الانحداري المخيف، إذا لم يكن ممكناً الحديث حالياً عن معالجات إنقاذية جذرية تحتاج إلى وقت طبعاً، لكن يبقى أنّ تشكيل الحكومة يُعدّ خطوة أولى لا بدّ منها على طريق المعالجات الإنقاذية.

الأزمات كثيرة والمشاكل كبيرة ومتراكمة، واللبنانيون يعانون من الصعوبات المعيشية اليومية التي باتت تثقل كاهلهم، خاصة في ما يتعلق بأساسيات الحياة من كهرباء وماء ودواء وغذاء ومحروقات… وهم بحاجة ماسّة لجرعة أمل قد تتوفر مع تشكيل هذه الحكومة التي توحي بالدرجة الأولى أنها قادرة على فعل شيء ما، لا سيما أنّ الأرضية مناسبة لتحقيق بعض الأمور حتى لو كانت صغيرة إلا أنها قد تكون كافية لكي تعطي المؤشر المطلوب على القدرة العملية لهذه الحكومة.

ما يدفعنا إلى هذا التفاؤل نوعاً ما هو أنّ الحكومة ضمّت في صفوفها كفاءات علمية عالية جداً وأصحاب اختصاص مشهود لهم بأنهم حققوا نجاحات كبيرة في مجالاتهم، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الإعلامي المخضرم الأستاذ جورج قرداحي الذي يشكل تولّيه وزارة الإعلام فرصة هامة جداً لهذا القطاع الحيوي في لبنان، لا سيما على صعيد تطوير الإعلام الرسمي، وجعله يواكب عصر التطور التكنولوجي الذي أحدث ثورة فعلية في عالم الإعلام.

كذلك لا بدّ من التنويه بوزير الطاقة والمياه الدكتور وليد فياض، صاحب السيرة الذاتية اللامعة على المستويين العلمي والعملي، وهو بلا شك قادر بما لديه من خبرات وقدرات أن يصنع فارقاً إيجابياً في هذه الوزارة الهامة جداً، والتي لم تكن على قدر طموحات اللبنانيين خلال السنوات الماضية، بل على العكس حيث تدهورت الأوضاع كلها على صعيد الكهرباء والمياه والمحروقات إلى أدنى مستوى، لأسباب متعددة لا مجال لتعدادها هنا…

ما ينطبق على قرداحي وفياض ينطبق أيضاً على معظم الوزراء الآخرين لناحية الخبرات والمستويات العلمية الرفيعة، وهم جميعاً مطلعون بلا شكّ على أوضاع البلد وأزماته ومشاكله، لكن لن نبكر في الحكم عليهم سلباً أو إيجاباً، بل لا بدّ من إعطاء الحكومة بكلّ أعضائها الفرصة الكافية، وهناك عرف عالمي بإعطاء أيّ سلطة جديدة فترة سماح من مئة يوم قبل البدء في تقييم الأداء سواء للحكومة مجتمعة أو لكلّ وزير على حدة، وسنكون كرماء قليلاً ولن نبدأ باحتساب فترة السماح إلا بعد نيل الحكومة ثقة المجلس النيابي.

على أنّ ما يريده اللبنانيون من هذه الحكومة ليس بالأمر العسير، فهم لا يطلبون المعجزات، ولكنهم بحاجة ماسة إلى بعض الخطوات السريعة التي لا تتطلّب سوى اتخاذ بعض القرارات الجريئة التي أحجمت الحكومات السابقة عن اتخاذها…

لكن حكومة الرئيس حسان دياب، رغم أنها كانت لأكثر من سنة حكومة تصريف أعمال، استطاعت أن تبدأ الخطوات الأولى على الطريق الذي يوصلنا إلى بعض الحلول لأكثر الأزمات صعوبة وإلحاحاً، خاصة في موضوع الكهرباء حيث زار وفد وزاري رفيع العاصمة السورية دمشق بشكل رسمي للمرة الأولى منذ عشر سنوات، ووجد لدى الأشقاء في سورية كلّ ترحيب وموافقة على ما يريده لبنان، لا سيما أنّ موضوع الزيارة كان البحث في استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عن طريق سورية. وبناء على موافقة سورية عُقد قبل أيام اجتماع رباعي لبناني سوري أردني مصري في عمّان لمتابعة هذا الأمر، وكانت نتيجة الاجتماع إيجابية جداً على أن تتمّ متابعة الأمور اللوجستية على الأرض في الدول الأربع للبدء خلال شهرين أو ثلاثة باستجرار الغاز المصري ثم الكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سورية.

وهناك أيضاً إمكانية متاحة لأن تتخذ الحكومة الجديدة قراراً باستيراد المحروقات من إيران بالليرة اللبنانية، وقد أثبت وصول الباخرة الإيرانية ـ اللبنانية الأولى وربما الثانية أيضاً والثالثة على الطريق باتجاه البحر المتوسط بأن لا عوائق أمام تحقيق هذا الأمر الذي من شأنه أن يوفر على المالية العامة استنزاف العملات الأجنبية التي أصبحت نادرة الوجود في خزائن المصرف المركزي.

ويمكن استخدام ما توفره هذه الخطوة من أموال في تأمين ما تحتاجه البطاقة التمويلية لبدء تنفيذها فعلياً، بعدما انتهت كلّ الخطوات التحضيرية ولم يبق إلا أن تقدّم العائلات طلباتها عبر المنصة المخصصة لذلك، ولا حجة هنا بأنّ الأموال غير موجودة، حيث تمّ بشحطة قلم توفير مليارات الدولارات للدعم العشوائي الذي لم يصل منه إلى الذين يحتاجون فعلاً للدعم إلا القليل القليل، فيما تمويل البطاقة التي يستفيد منها أكثر من 500 ألف عائلة تحتاج فقط إلى نحو 700 مليون دولار طوال عام كامل.

ومثل هذه الحلول متاحة أيضاً في أكثر من مجال، خاصة في الدواء والمستلزمات الطبية والقطاع الصحي عموماً…

يبقى أنّ كلّ ذلك يحتاج إلى قرارات جريئة مطلوبة من الحكومة الجديدة… وليس أمامنا اليوم سوى الانتظار على أمل أن يتحقق ما يأمله اللبنانيون. وانّ غداً لناظره قريب…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى