أولى

هزيمة «المتأسلمين الإخوان» في المغرب بضربة صهيونية قاضية

 د. جمال زهران*

لا شك أنها هزيمة مفجعة للإخوان المتأسلمين في المغرب، بعد أن جاء ترتيبهم بين الأحزاب الرقم 8، وانخفض عدد مقاعدهم في البرلمان من 125 مقعداً إلى 12 مقعداً فقط، أيّ خسروا عشر أمثال مقاعدهم! وهي هزيمة لم تواجه أيّ حزب سياسي عن طريق الصندوق، على الإطلاق، الأمر الذي يؤكد أنّ هذا السقوط في الانتخابات هو سقوط مدوّ، وخروج نهائي من التاريخ في دولة المغرب.

وقد جاءت خسارة المتأسلمين، متمثلة في العدالة والتنمية، بواقع عشرة أمثال إلى الوراء (12: 125)، كانت خسارة فادحة تعادل العشرة أعوام التي قضوها في الحكم مرتين بين 2011 – 2021، حيث فازوا بالأكثرية التي مكنتهم بعد التحالف مع آخرين، من تشكيل حكومة برئاستهم، مرتين (2011 – 2016)، (2016 – 2021). أيّ أنّ كلّ عام قضوها في الحكم كانت خسارتهم 10 في المئة بلغة الأرقام، حتى وصلوا إلى النهاية في عام 2021. حيث كانت نتيجة الانتخابات مفجعة للغاية وغير مسبوقة في تاريخ الانتخابات البرلمانية، أن يخرج حزب سياسي من السلطة عن طريق الصندوق الانتخابي بهذه الهزيمة القاسية.

فالمستقرّ عليه في الانتخابات التنافسية العادية، أن ينجح حزب بغالبية بسيطة أو أكثرية تمكنه بالتحالف مع آخرين،  من تشكيل الحكومة. أو أن يتراجع حزب عن الغالبية والأكثرية ببعض المقاعد، فيتعثر في تشكيل الحكومة حتى لو كانت له «أكثرية»، لعدم تمكنه من تحقيق ثقة حلفاء له لتكوين الغالبية الداعمة في البرلمان (آخر نموذج النتن – ياهو) في الكيان الصهيوني. وفي العموم، فإنّ الحزب الذي يتراجع ببعض المقاعد المحدودة، قد يترك السلطة والحكومة، لغيره، ليحتلّ المعارضة، على أمل أن يستردّ ثقة الناخبين مرة أخرى في أول انتخابات تالية، وهو الأمر السائد في النظم الانتخابية البرلمانية.

أما وأن يطاح بحزب العدالة والتنمية الإخواني (المتأسلم) بهذه الصورة السوداوية، فإنّ الأمل في أن يعود إلى السلطة مرة أخرى، سيصبح أمراً عسيراً بل ومستحيلاً للغاية. فالسقوط المدوي من 125 مقعداً، 12 مقعداً، يستحيل معه استرداد هذه الأكثرية مرة أخرى. وقد أصبح هذا الحزب المتأسلم يشبه الإنسان الذي يتعرّض إلى «هبوط حادّ» في الدورة الدموية، من 120 مثلاً إلى10، فماذا تكون النتيجة؟! الموت الحتمي، بالتالي ليس مبالغة منا، أن نقول إنّ هذا الحزب الإخواني المتأسلم، قد خرج من التاريخ السياسي الحزبي في المغرب إلى غير رجعة.

والسؤال هنا: ما هي الأسباب التي أدّت إلى مثل هذه الهزيمة المفجعة وهذا التردي الواضح وكأنه منعدم الشعبية، في إطار ما وضعه محللون متابعون للشأن المغربي في تفاصيله، إلى أن ما حدث هو «زلزال سياسي» غير مسبوق، و»انحدار» من علٍ إلى سفح الجبل؟!

وأرى أنّ هناك سببين جوهرين هما وراء هذه الهزيمة الكبرى.

السبب الأول هو: الموافقة غير المشروطة على تأسيس علاقات مع الكيان الصهيوني، وتبادل فتح السفارات والقنصليات، أي تطبيع العلاقات، الأمر الذي يتعارض مع المسؤولية العربية والإسلامية للمغرب، التي يشغل ملكها رئاسة لجنة القدس في الجامعة العربية.

وقد أدّى ذلك، إلى إثارة التساؤلات حول التزام حزب العدالة والتنمية الإخواني في المغرب، بالقضية الفلسطينية، والتطبيع مع الكيان الصهيوني والقدس، في إطار رؤية «الإخوان» المتأسلمين، في هذا السياق، حيث تلتزم الجماعة بالمقاومة، وتحرير القدس، وتحرير فلسطين، ورفض التطبيع ظاهرياً. الأمر الذي خلق فجوة شعبية بين الحزب والجماهير في المغرب التي ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني. وقد تصوّر هؤلاء أنّ الاستجابة لرؤية الملك في توقيع هذا الاتفاق الصهيوني المغربي بالتطبيع، هو إنقاذ لهم، وغطاء لشرعيتهم واستمرارهم في الحكم!! إلا أنهم فوجئوا بالغضب الشعبي في كلّ أنحاء المغرب عليهم، حتى أنّ التصويت في دوائر قد تكون مغلقة عليهم، جاءت ضدّهم في الانتخابات الأخيرة!!

ومن ثم ظهر هؤلاء أنهم «متأسلمون»، ويتعارض موقفهم مع موقف الإخوان الرسمي، وأنهم غلبوا المصالح الضيقة على المبادئ الأساسية إزاء القضايا الأساسية للأمة. وظهر هؤلاء أمام الناس أنهم «متأسلمون» وليسوا «إسلاميين»!! وهذه هي مشكلة المتأسلمين في الوطن العربي الذين يغلبون المصالح الذاتية على المبادئ الأساسية، واستعدادهم للتفريط في الثوابت، للوصول للسلطة أو الاستمرار فيها، وهناك نماذج لذلك في مصر، وفي تونس، بين الكر والفر، أو المدّ والجذر!!

السبب الثاني هو: عدم الرضى الشعبي على السياسات التي اتبعتها حكومة حزب العدالة والتنمية طوال 10 سنوات، حيث لم تصبّ هذه السياسات في صالح الطبقة الوسطى والفقراء، وظهروا باعتبارهم من داعمي سياسات الصندوق والبنك الدولي، والالتزام بالرأسمالية المتوحشة على حساب الجماهير الغفيرة. فقد اكتشفهم الشعب المغربي بعد أن أعطاهم ثقته في استحقاقين انتخابيّين في 2011 (عقب الثورات العربية)، وفي 2016، ربما يترجمون، ما كانوا يعلنون عنه، بينما شهد الواقع أن أفكارهم المعلنة في واد، وسياساتهم في واد آخر!! وتلك هي الفجوة التي حدثت، فكان سقوطهم المدوي في الانتخابات البرلمانية.

فقد تلاحم قبول التطبيع المغربي الإخواني مع الكيان الصهيوني وسط رفض شعبي، مع الفشل في تحقيق آمال وأحلام الجماهير في المغرب، فكان السقوط المدوي، والخروج النهائي من التاريخ، وأرى أنه من المستحيل العودة، بل أن التداعيات على نظرائهم في الدول العربية ستكون كبيرة للغاية بالفشل الذريع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى