أخيرة

أزمة المحروقات في بعلبك الهرمل خارج دائرة المعالجة محاصيل زراعية عطشت فتمّ إتلافها وتسعير عشوائي لأصحاب مولدات الاشتراك المواطن في مواجهة مافيا السوق السوداء… لا تدفئة ولا نقل..والدراسة لا إلكترونياً ولا حضورياً

} تحقيق ـ عبير حمدان

تغيب منطقة بعلبك ـ الهرمل عن خارطة أي معالجة لأزمة المحروقات، ولو حتى في إطار افتراضي حيث يُترك المواطن لمصيره في مواجهة مافيات الاحتكار والسوق السوداء.

مزارعون أتلفوا محاصيلهم، لاستحالة رّيها بسبب عدم توفر مادة المازوت، وسائقو الفانات التزموا منازلهم وأصحاب مولدات الاشتراك تفوقوا على الدولة، لجهة التقنين الكهربائي ورفع التسعيرة غير آبهين بقرارات وزارة الاقتصاد وجداول البلديات التي حدّدت سعر الكيلواط بما يوازن بين ظروف المواطن الاقتصادية وأرباح معقولة لأصحاب المولدات.

تحدثت تقارير صحافية عن مساعي الاتحاد العام للنقابات الزراعية مع السراي الحكومية للحصول على 100 ألف ليتر من مادة المازوت من الشركات المستوردة مباشرة وعلى تسعيرة جدول تركيب أسعار المحروقات (3900 ليرة) بهدف توزيعها على مزارعي المنطقة، لكنّ هذه المساعي بقيت في دائرة الوعود التي لا تغني ولا تسمن.

أرخت أزمة المازوت في منطقة بعلبك ـ الهرمل بثقلها على الحركة الاقتصادية المعدمة أساساً وبدت آثارها الاجتماعية واضحة بشكل كبير كونها لن تقف عند حدود المواسم الزراعية وحركة النقل بل ستتصاعد لاحقاً على مشارف فصل الشتاء، إذ لن يتمكن الأهالي من شراء المازوت للتدفئة، كذلك المدارس في حال فتحت أبوابها حضورياً، ولسان حال الناس في المنطقة أنهم يعيشون على الهامش، اقتصادياً ومعنوياً وصحياً واجتماعياً، لا يطالهم أي اهتمام إلا في موسم الانتخابات.

غرب بعلبك وشرقها … الأفق مسدود

الإحباط سيد الموقف لدى الكثيرين والناس ملّت الوعود، باختصار الوضع يحتاج إلى «ثورة حقيقية قد لا تخلو من الدم»، وفق تعبير طعان حمية الذي يرى «أنّ أزمة المحروقات مفتعلة وكلّ ما يحصل من حوادث متفرقة وما نعيشه من حصار اقتصادي هدفه إيصالنا إلى مرحلة نقبل فيها بالطروحات المناقضة لمبادئنا وهذا مُحال».

ويضيف: «للأسف في مختلف المناطق يوجد ما يسمى قوى أمر واقع والأفق مسدود إن لم يتم رفع الغطاء عن تجار الأزمة، ومن يعول على التغيير مع اقتراب الانتخابات واهم، قد تتبدل الوجوه والأسماء لكنّ المنظومة باقية وبالتالي سيبقى الوضع الاجتماعي على حاله إن لم نقل أكثر سوداوية».

ويختم حمية:» كلّ منزل في المنطقة يحتاج إلى أكثر من 1500 ليتر مازوت للتدفئة، على أقل تقدير، والناس لا تملك المقدرة الشرائية، كما لن يكون هناك عام دراسي في ظلّ غياب التدفئة في المدارس وتوقف الفانات، وسيلة النقل الوحيدة للتلامذة».

يعمل سالم شداد في قطاع النقل الداخلي إلا إنه أوقف شاحنته بانتظار انفراج في الأزمة المتصاعدة، ويقول:» كل مصالح الناس تضررت بسبب هذا النظام الفاسد، فلكل فريق سياسي أزلامه والاحتكار سيد الموقف، بالإضافة إلى المتاجرة بلقمة عيش المواطن في السوق السوداء، شاحنتي أوقفتها لأن كلفة تزويدها بالوقود وصلت إلى ستة ملايين ليرة والأزمة إلى تفاقم في ظل غياب أي حلّ للوضع القائم».

من جهته، اختار محمد حمية بيع «الفان» كونه وصل إلى مرحلة لا يمكنه أن يطلب من الراكب 50 ألف ليرة بعد أن كانت التسعيرة 5000، ويقول:» منذ ثلاثة أشهر تقريباً كنا نشتري صفيحة المازوت بـ 25000 ل.ل. اليوم أصبح سعرها 250000 وبالتالي توقفت عن العمل، فمن الصعب أن أطلب من الراكب 50000  بعد أن كان يدفع من بيروت إلى شتورة 5000. لقد وصل بي الأمر إلى بيع الفان والتوقف عن العمل. المنظومة السياسية هي التي أوصلت الناس إلى هذه المرحلة والفساد المستشري والسرقات والاحتكار بغطاء سياسي من رأس الهرم إلى أسفله».

وأضاف: «على القوى الأمنية تحمل مسؤولياتها للحد من هذه الفوضى على محطة البنزين ومحاسبة تجار الأزمة ومنع إذلال الناس، ما يؤدي إلى مشاكل متنقلة بين الناس الذين وصلوا إلى مرحلة التقاتل من أجل الحصول على بضعة ليترات من البنزين أو المازوت. باختصار المواطن هو الخاسر الوحيد في وجه الأزمات كافة، وليس أزمة المحروقات وحسب، اليوم نحن في منطقة بعلبك الهرمل بلغنا مرحلة لا يمكننا تحضير المونة المعتادة للشتاء، المواطن اليوم لا يمكنه شراء الزيت والبرغل والخضار وحتى البن فكيف سيتمكن من تأمين المازوت للتدفئة»؟

أما محمد جنبلاط الذي يعمل على صهريج لتوزيع المياه فيعتمد المقايضة ويقول: «المازوت الذي كنا نوفره للتدفئة استخدمته لتشغيل الصهريج، وحين نفد اعتمدت المقايضة أي المياه مقابل المازوت للصهريج والبنزين للمولد الكهربائي المستخدم لضخ المياه وحين لا تتوفر المقايضة اضطر لشراء 7 ليتر مازوت بـ 150000، ومحطة الوقود التي أطلب منها تزويدي بالبنزين للمولد تطالبني بورقة من الأمن العام».

يحتاج صهريج جنبلاط إلى ثلاث صفائح من المازوت يومياً أي ما يقارب المليون ليرة على حساب السوق السوداء، وكلفة تعبئة «نقلة المياه» 50000 وبالتالي يصبح جهده بلا طائل وعمله بالمجان.

… الأزمة تطال الجميع

ينقل محمد سماحة الخضار من المزارعين إلى السوق ويقول: «مواسمهم معرضة للتلف في ظل أزمة المازوت حيث لا يمكنهم ري مزروعاتهم وفي حال تفاقم الوضع النتيجة ستكون كارثية. لا نملك إلا الأمل رغم كلّ ما نمر به. أنا أنقل الخضار إلى السوق واضطر لشراء البنزين من تجار السوق السوداء ومع اقتراب فصل الشتاء يتوقف عملي، وكوني لم أحقق أي مردود خلال فترة عملي لن أتمكن من توفير احتياجات بيتي وعائلتي، لا سيما المازوت للتدفئة، باختصار واقعنا سوداوي وكل الجهات الرسمية المعنية لا تقوم بأدنى واجباتها».

عمد أحمد العبدلله (مزارع) إلى تلف مواسم جهد في زراعتها والسبب عدم توفر المازوت، ويقول: «اشتريت البذور بأسعار خيالية بعد ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة والمزروعات تحتاج إلى الري باستمرار، ما يتطلب توفر مادة المازوت لتشغيل مضخات سحب المياه وقد كلفني هذا الأمر 5 ملايين ليرة، وحين عجزت عنه في ما بعد قمت بتلف جزء كبير من المزروعات (اللوبيا والكوسا)، وبالتالي تفاقمت خسارتي كما كل المزارعين، باختصار القطاع الزراعي المهمل من قبل الجهات المعنية قضت عليه أزمة المحروقات بالكامل حيث أنّ الكلفة تتصاعد مقابل غياب الربح ولو بنسبة متدنية».

اختصر علي شعيب (سائق فان) تنقله بين بعلبك وبيروت وفق الطلب من الزبائن الذين اعتادوا على التعامل معه، ويقول: «أكتفي بطلب واحد يومياً ذهاباً وإياباً، لأنّ كلفة المازوت تصاعدت أضعافاً، وكما بات معلوماً فهو غير متوفر إلا في السوق السوداء ورغم أن أجرة الراكب وصلت إلى 50 ألف ليرة إلا أنني أتقاضى من ذلك كوني أعرف أن ظروف الناس صعبة ففي النهاية الأزمة تطالنا جميعنا من دون استثناء».

الهرمل ـ بيروت 70000  ـ 100000ل.ل

لا يختلف المشهد في مدينة الهرمل حيث يتحكّم تجار الأزمة برقاب الناس، وفق أهوائهم ومصلحتهم، ويقول محمد التالا (سائق فان): «كل ما نريده من المعنيين في هذه الدولة المتهاوية العمل على تأمين المازوت لنا لكي نستمر في عملنا وتحصيل لقمة عيشنا، ولكن لا حياة لمن تنادي، وذلك لأنّ جميع الأطراف مستفيدة من المتاجرة بمتطلبات المواطن الأساسية، وحين علا صراخنا الذي نطالب فيه بحلول فعلية حصلنا على وعد من المؤسسة العسكرية بالمساعدة بحيث تزودنا محطة العميري في المدينة بـ800 ليتر من المازوت، إلا أنّ صاحب المحطة لم يقبل أن يزوّدنا إلا بـ6 صفائح أي 120 ليتر وهذه كمية غير كافية على الإطلاق. اليوم وصلت تسعيرة الراكب إلى 70000 ل.ل. من الهرمل إلى بيروت وهذا ما لا نريده ولكن ما في اليد حيلة، فإما أن نتوقف عن العمل أو نرفع التسعيرة».

ويوافق التالا في ما يقول زميله شرف الساحلي، مشيراً إلى أنّ كل الأبواب التي طرقها أصحاب الفانات مقفلة في وجوهم ولا من مجيب، ويقول:»كل ما نريده محطة وقود في مدينتنا تزودنا بالمازوت على سعر الدولة وليس وفق جدول المحتكرين كي نتمكن من تحصيل قوت يومنا وبالتالي تعود تسعيرة الراكب إلى سعرها (30000ل.ل) فحال الناس من حالنا».

قصدت جويل المقهور بيروت للدراسة والعمل ومن المفترض أن تقضي إجازتها مع أهلها في الهرمل إلا أنّ الواقع يفرض عليها زيارة واحدة شهرياً إلى بلدتها، وتقول:» تسعيرة الراكب من بيروت إلى الهرمل وصلت إلى 100000 ل.ل، ما يعني أن رحلتي ذهاباً وإياباً تكلف 200000 وبالتالي أزور بلدتي مرة واحدة في الشهر، خاصة أنّ التنقل في بيروت من المنزل إلى الجامعة والعمل مكلف وبالكاد أستطيع توفير مصاريفي الضرورية لأتابع دراستي».

تؤكد سوسن علوه (مزارعة) أنّ معظم المشاريع الزراعية في منطقة القاع أتلفها أصحابها كونهم لم يتمكنوا من ريّها، وتقول: «عدم توفر مادة المازوت ضرب المواسم الزراعية في المنطقة ويبست المواسم حيث أنّ الباذنجان والفليلفة والخيار من المفترض أن يتم ريّها يومياً، لكنّ عدم مقدرة المزارعين على شراء هذه المادة من السوق السوداء دفعتهم إلى تلف مزروعاتهم لتتفاقم خسائرهم».

وتضيف:» نحن كمزارعين نتكل على مردود الموسم الصيفي ذخيرة لفصل الشتاء ولكن في ظل هذه الأزمة خرجنا مكسورين جميعنا وضاع تعبنا كله سدى».

حرق ما يمكن حرقه للتدفئة

على هامش الجولة التي حصدت جزءاً بسيطاً من معاناة أهالي منطقة بعلبك الهرمل هناك كلمات سجلتها «البناء» وحفظتها من دون أن تخرجها إلى العلن، ولكن من الضروري الإضاءة على ما هو قادم حيث سمعنا أنّ هناك من يجمع دواليب السيارات والأحذية القديمة لتكون وقوده للتدفئة وهناك من عمد إلى قطع بساتين اللوز للغاية نفسها وقد يصل الأمر بالناس إلى حرق كل ما يمكن حرقه بديلاً عن المازوت والحطب الذي وصل سعر الطن منه إلى 100 دولار، وطبعاً حسب سعر الصرف وأي بيت في المنطقة يستهلك خمسة أطنان من الحطب أو 1500 ليتر مازوت كحد أدنى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى