أولى

الخيار الراجح: التوجّه شرقاً بدعم ضمني من فرنسا؟

 د. عصام نعمان*

خلافاً للصورة الملتقطة على مدخل قصر الأليزيه الموحية بأنّ نجيب ميقاتي، بطوله الفارع، يملي على إيمانويل ماكرون، الأقصر قامةً، ما يقتضي قوله فإنّ الرئيس الفرنسي هو الذي استحصل من رئيس الحكومة اللبنانية ما يريده من أقوال وأفعال وضمانات لقاء المساعدات التي وعدت فرنسا بتقديمها إلى لبنان «وتبتغي حضّ المجتمع الدولي على الاستجابة لطلباته الملّحة».

ماكرون أكّد لميقاتي أنه «من الملّح اتخاذ الإجراءات والخطوات الأولى المتمثلة بالإصلاحات الضرورية لكي يتمكّن لبنان من استعادة الثقة بنفسه. فالمجتمع الدولي لن يتمكّن من مساعدة لبنان قبل إطلاق الإصلاحات في قطاع الطاقة ومكافحة الفساد وتقويم الإدارة. أعلم أنّ أولويتكم ستكون البنى التحتية والطاقة والتغذية ودعم الشعب اللبناني بالاستجابة إلى احتياجاته قصيرة الأمد (…) لكنكم تعلمون أنّ على لبنان إجراء المفاوضات الضرورية مع صندوق النقد الدولي».

ميقاتي طمأن ماكرون إلى أنه عازم، بدعم من الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، على مباشرة تلك الإصلاحات التي ستكون حاسمة في استعادة الثقة وتخفيف معاناة الشعب اللبناني وإنعاش الاقتصاد ومتابعة المفاوضات الواعدة مع صندوق النقد الدولي».

لا ميقاتي أوضح علناً كيف سيقوم بإجراء الإصلاحات الموعودة ولا ماكرون استوضحه أسلوبه ونهجه في هذا السبيل. لكن كثيرين من مسؤولين ومراقبين يرجّحون بأنّ الرئيس الفرنسي ورئيس الحكومة اللبنانية بحثا دونما شكّ في العوامل الداخلية والإقليمية التي لها دور وتأثير في الإصلاحات والإجراءات المطلوبة لانتشال لبنان من أزمته المزمنة والمرهقة.

لعلهما بحثا في موقف حزب الله من مشكلة شحّ الوقود، خصوصاً البنزين والمازوت، وانعكاس ذلك على مسألة توليد الكهرباء، وشلل وسائل النقل، وقيام حزب الله، بدعمٍ من إيران، باستيراد مشتقات النفط بالليرة اللبنانية ما أسهم في حلّ المشكلة ووفّر على الدولة، كما على المواطنين، مبالغ طائلة من الدولارات الأميركية.

مبادرةُ حزب الله تلك أقلقت الولايات المتحدة فسارعت إلى محاولة قطع الطريق على حزب المقاومة بإقناع مصر بتزويد لبنان بغازها والأردن بكهربائه عبر سورية. ذلك استلزم غضّ النظر بلا تردّد عن «قانون قيصر» المتعلّق بمحاصرة سورية ومعاقبة مَن يتعامل معها اقتصادياً من دول الجوار.

حسناً، ماذا لو تعثّر هذا التدبير «الوقائي» الأميركي لسببٍ أو لآخر، أو أنه لم يسدّ حاجة لبنان من الوقود والطاقة؟ هل تتراجع أميركا كلياً عن تنفيذ أحكام «قانون قيصر» بحيث يستورد حزب الله أو الحكومة نفسها المزيد من مشتقات النفط براً عبر سورية وبحراً عبر عشرات الناقلات الإيرانية؟

إلى ذلك، لاقى استيراد مشتقات النفط من إيران ردود فعل إيجابية، لا سيما ممن نال حصةً منه كالمؤسسات الخيرية والمستشفيات التي جرى تزويدها مجاناً بكميات من المازوت اللازم لتشغيل محركاتها المتوقفة، الأمر الذي حمل نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم على التعهّد بتثبيت خط استيراد مشتقات النفط من إيران إذا ما استمرّت أزمة الشحّ في الوقود والكهرباء.

فوق ذلك، فإنّ تليين الولايات المتحدة موقفها من سورية بتعليق تنفيذ «قانون قيصر» لتمكين لبنان من الحصول عبرها على الغاز المصري والكهرباء الأردنية شجّع كثيرين من أهل السياسة والاقتصاد والمقاولات على تشديد المطالبة باستعادة لبنان انفتاحه على سورية وكامل علاقاته معها بغية تحقيق هدفين بالغي الأهمية: إعادة النازحين السوريين إلى ديارهم، والمشاركة في عملية إعادة إعمارها التي تقدّر تكلفتها بنحو 400 مليار دولار.

كلّ هذه الأمور لا تغيب بالتأكيد عن ذهن نجيب ميقاتي وحلفائه وأصدقائه في الداخل والخارج ما يحمل كثيرين من المسؤولين والمراقبين على الاعتقاد بأنه بحثها بالتأكيد مع الرئيس الفرنسي خلال لقائهما الاخير.

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن تطورات عدّة تحمل المراقبين والمتابعين وبعض المسؤولين اللبنانيين على ترجيح دعم فرنسا، في هذه الآونة، نزوع فريق وازن من المنظومة الحاكمة كما من اللبنانيين عموماً إلى التوجّه شرقاً بكلّ ما يعنيه هذا الخيار من انفتاح سياسي واقتصادي على سورية والعراق وتالياً على إيران بالإضافة إلى روسيا والصين.

إيران كانت عرضت على لبنان بناء معامل لتوليد الطاقة الكهربائية بتكلفة زهيدة. كذلك الصين قدّمت للحكومة اللبنانية قائمة مشاريع إعمارية وإنمائية في شتى الحقول تصل قيمتها إلى نحو 12 مليار دولار. لكن الحكومة، بضغط من أميركا، لم تتجاوب مع كِلا الدولتين.

الوضع الآن، بكلّ أبعاده ومستوياته، يختلف عن الماضي. ذلك أنّ الولايات المتحدة تعاني من تداعيات خروجها المهين من أفغانستان وتبدو عازمة على إعادة النظر في تموضعها كما في مواقفها من بعض دول المنطقة. أليس تغاضيها اللافت عن تنفيذ أحكام «قانون قيصر» لتسهيل وصول الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سورية دليل ساطع في هذا المجال؟

إلى ذلك، فإنّ فرنسا الآن غير متوافقة مع الولايات المتحدة بل ممتعضة جداً من «الطعنة في الظهر» التي سدّدتها إليها واشنطن في مسألة صفقة الغواصات مع أستراليا. وهي، في كلّ حال، يهمّها مصالحها بالدرجة الأولى ما جعلها، برضى واشنطن أو من دونه، تعقد صفقة تعاون اقتصادي وإنمائي مع العراق بمليارات الدولارات. ولعلها تنوي عقد صفقات مماثلة مع إيران في قابل الأيام، خصوصاً إذا ما نجحت مفاوضات فيينا في إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي وإلغاء عقوباتها الاقتصادية ضدّ إيران.

كلّ هذه الواقعات والاحتمالات تعزز رأي بعض المسؤولين اللبنانيين كما المتابعين والمراقبين بأن التوجّه شرقاً سيكون في قابل الأيام خياراً ممكناً، والأحرى مرجحاً، لدى نجيب ميقاتي ومن يقف معه أو وراءه من قوى سياسية نافذة، وأن فرنسا ستكون داعمة ضمناً، وربما علناً، لهذا التوجّه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نائب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى