أخيرة

سوريا اليوم بين حصاد استراتيجي ونصر سياسي ودبلوماسي

} خليل الحمّادة

عقدٌ من الزمن مرّ على سورية واجهت فيه دمشق أقبح أشكال الحرب على الإرهاب، والحصار الجائر المفروض من الدول التي تدعي الديمقراطية والإنسانية، إلا أن هذه المبادئ هي القناع التي ترتديه من أجل تزيين نفسها أمام المجتمع الدولي، ولكن لمن يمعن النظر في سياسات هذه الدول يرى عكس ذلك تماماً، يرى في ذلك الرغبة الاستعمارية لهذه الدول في خلق دول جديدة تتماهى مع مصالحها، ولكن انتصارات سوريا وحلفائها أفشل المشروع الأميركي وحلفاءه الغربيين والعرب.

في ذروة المواجهة تحولت سوريا من دولة تدافع عن نفسها، إلى دولة مواجهة للمشروع الأميركي الصهيوني، لم تخضع دمشق لرسائل التهديد التي وجهت لها، إلا أن ذلك زاد دمشق تمسكاً بالثوابت القومية والوطنية للدولة السورية، التي تقوم على دعم القضية الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني، والذي هو بدوره أيضاً يعمل على حل القضية الفلسطينية، وسعي الكيان الغاصب أيضاً لترسيخ مبدأ الأرض مقابل السلام.

الانتصار الذي حققته سوريا وحلفاؤها على الإرهاب سيسهم بقيام عالم أكثر توازناً وعدالة، فالجهود المشتركة أثمرت نتائج النصر الإيجابية على الأرض على كافة الأصعدة، وهذه الجهود ستستمر حتى تحرير كافة الأراضي السورية ودحر التنظيمات الإرهابية، وأن الإصرار الذي أظهره الشعب السوري في الاستحقاق الأخير يثبت فشل سياسات الضغوط التي تمارس على الشعب السوري، وبهذا الصدد أكدت دمشق أنه لا أحد يستطيع الوقوف أمام إرادة الشعب السوري.

إن خط المقاومة الذي نمضي فيه هو قدر هذه الأمة في هذا العصر، وليس من السهل أن تُجتث أو أن تقتل هذه الأمة التي تناضل وتنادي باسم القومية العربية، تجني سوريا اليوم بعد عشر سنوات من الحرب الشرسة ثمار الحق والنصر، فأين هي علاقات الأمس من اليوم، هذا العام هو عام الانتصارات السياسية والعسكرية والدبلوماسية لسوريا، فأعداء الأمس اليوم يتوددون دمشق لطلب الصفح.

تسريبات توحي بتغير الرؤية الأميركية والأوروبية نحو المسألة السورية، ومدلول ذلك زيارة وفد الأمانة العامة للإنتربول الدولي لدمشق في الشهر المقبل، ويترأس الوفد رئيس مكتب مكافحة الإرهاب في الأمانة العامة، وبناء على ذلك يعود لمكتب دمشق جميع صلاحياته، في ما يخص تقديم الخدمات بمواضيع الجمارك، وبيانات المطلوبين في العالم، إضافة إلى ذلك يسهل موضوع الاتصال مع الأمانة العامة، وإضافة إلى ذلك أيضاً الانقسام الداخلي في أميركا، والذي قد يذهب بالأميركيين نحو انزلاق لحرب أهلية ثانية، مع تصاعد المكانة الدولية لحلفاء سوريا من روسيا والصين وإيران.

وأن تغير الأجواء السياسية تجاه الشأن السوري أقوالاً وأفعالاً جاء واضحاً وجلياً خلال أعمال الجمعية العامة، وعكس ما حققه الجيش العربي السوري بالتعاون مع الحلفاء والأصدقاء على الأرض في مجال إعادة الأمن والاستقرار إلى معظم الأراضي السورية، ولم تنته الأمور إلى هذا الحد بل امتدت إلى نجاحات وانتصارات دبلوماسية حققها وفد الجمهورية العربية السورية برئاسة الدكتور فيصل المقداد وزير الخارجية السوري، والدكتور بشار الجعفري نائب وزير الخارجية، والدكتور عبدالله حلاق مدير إدارة المكتب الخاص، بحيث عقدت عدة اجتماعات مع الوزير فيصل المقداد وأهمها مع 7 وزراء خارجية عرب في الأمم المتحدة، ومن بينها اللقاء مع وزير الخارجية المصري التي يتواجد فيها مقر الجامعة العربية في العاصمة القاهرة، استعداداً وتمهيداً لعودة الجمهورية العربية السورية إلى جامعة الدول العربية.

ملف درعا هو ملف البداية للوصول إلى النهاية، توجهت الحشود العسكرية السورية الكبرى إلى درعا، بمعطى جديد يدل على طبيعة ما يجري خلف الأبواب المغلقة، وجاء ذلك بعد أن زار الملك الأردني موسكو وواشنطن، والاعتراف الذي أبداه أمام الرئيس الأميركي بايدن، وتصريحاته لقناة CNN الأميركية ببقاء الرئيس بشار الأسد، والنتيجة هو أن ما يجري في درعا يؤكد ترتيب مسار إقليمي نحو إنهاء الأزمة السورية، وضبط التوتر والمسار يبدأ من الجنوب السوري وينتهي بالشمال لوصول سوريا إلى بر الأمان، على رغم تعقيدات ملف إدلب بهذا الشأن وفي هذا الضوء التقى الرئيس السوري بشار الأسد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبحث ملف إدلب باعتباره البوصلة التي ستقلب الموازين للوصول إلى النتائج المرجوة والمرتقبة.

يبقى الخاسر الأكبر أردوغان الذي يراهن بأكثر من ألف مقاتل أجنبي يستطيع استخدامهم لتحقيق وهمه في وسط آسيا، وبقية دول العالم، ولا يخفى على أحد اليوم ما تعيشه تركيا اليوم من وضع اقتصادي ملتهب نتيجة للتراجع الاقتصادي الكبير، وانخفاض مستوى الأجور بعد المغامرة الخاسرة التي يجريها في جغرافية الإمبراطورية العثمانية التي انهارت منذ 100 عام، وفي الوقت ذاته لا يستطيع الرئيس التركي المأجور لصالح أميركا التراجع عن سياسته على رغم خسارته في مصر والسودان وتونس، وأخيراً المغرب بعد فشل الإخوان المسلمون في تحقيق المشروع الأميركي في المنطقة، وإضافة إلى ذلك ملف ليبيا الذي أضاف إلى هذا كله فشله الكبير بغياب أميركي ودور إيجابي يحسب لصالح روسيا، وفي نهاية مطاف وهمه لم يبق سوى 3 أوراق في سوريا والعراق وجنوب القوقاز، ومن المؤكد أنه حتى في هذه الملفات هو خاسر أيضاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى