مرويات قومية

الأمينة الأولى للرفيق مظهر شوقي: الزعيم أمانة في أعناقنا جميعاً

كثيراً ما يرد اسم الرفيق مظهر شوقي في أدبيات الحزب. في وقت سابق كنا نشرنا عنه بما توفر لدينا على أنه يستحق أن نصدر عنه نبذة تليق بتاريخه الحزبي النضالي.

مؤخراً قرأتُ في العدد 639 من جريدة «البناء» تاريخ 8/7/1988 الكلمة التالية للرفيق مظهر شوقي ننشرها كما وردت في حينه:

ل. ن.

أول أنثى في الحزب السوري القومي الاجتماعي تحمل شرف لقب الأمانة بجدارة واستحقاق لا لأنها قرينة الشهيد الزعيم سعاده، بل لأنها برّت وصانت وتفانت في التضحية والعمل بقَسَمها الذي أقسمته عندما اعتنقت مبادئ الحزب بكلّ أمانة وشجاعة وإخلاص يفتقر إليها كثير من أنصاف الرجال ذوي النفوس الضعيفة، ممن أغرتهم المناصب والغنائم، فحنثوا بقسَمهم وخانوا الأمانة وأصبحوا أعداء للمبادئ، فسقطوا صرعى على جوانب الطريق الطويلة، طريق الحياة! خسروا وقفة العز التي بشر بها حضرة الزعيم بقوله (إنّ الحياة وقفة عز فقط).

عرفتُ الأمينة الأولى إبان ملاحقة حضرة الزعيم في «ضهور الشوير»، بعد عودته من اغترابه القسري في المهجر عام 1947، حين أصدرتْ الحكومة اللبنانية بحقه مذكرة التوقيف، إثر خطابه التاريخي الذي ألقاه في بيروت بحشد من مستقبليه يقدر بعشرات الألوف، حضروا من كافة أنحاء سورية.

وفور انتهاء السنة الدراسية من ذلك العام وبدء العطلة الصيفية، شددتُ رحالي الى ضهور الشوير وهناك اتصلتُ بالرفيق المنفذ الذي أوصلني بدوره الى حضرة الزعيم بعد الاستئذان منه طبعاً، التمستُ منه أن يقبل رجائي ويسمح لي بأن أكون واحداً من حرّاسه طيلة العطلة الصيفية، لم يخيّب حضرة الزعيم رجائي، كانت فرحتي الكبرى التي تمنيتها، منذ دخولي الحزب، بأن أرافق حضرة الزعيم فترة من الزمن.

وهكذا أصبحتُ لا أفارقه نهاراً وليلاً إلا في الحالات الضرورية الخاصة بمصلحة الحزب، وكانت المصلحة تحتم عليَّ أحياناً دخول دار الزعامة، لذا قدّمني حضرة الزعيم إلى حرمه المصون قائلاً لها: الرفيق مظهر من أوائل المنضوين تحت راية الزوبعة والمخلصين لمبادئها. ونظراً للظروف الحالية التي نمرُّ بها حضر إلى الضهور يقدّم خدماته وليقوم بواجباته.

وسام رفيع المستوى قلّدني إياه حضرة الزعيم بشهادته بإخلاصي للمبادئ وإيماني بها، وبراً بقسمي آليتُ على نفسي أن لا أحيد عن إيماني بما أقسمتُ عليه بحب سورية والزعيم والتفاني بخدمتهما ما دمتُ حياً.

كنتُ أظنُّ نفسي إنني الوحيد الذي وهبَ نفسه لمصلحة سورية وللمبادئ السورية القومية الاجتماعية والتضحية من أجلهما بلا أنانية أو حب ظهور، إلا أنه خاب ظني بعد الذي رأيته ولمسته من الأمينة الأولى، فالأمانة والإخلاص والتضحية والتفاني في سبيل المصلحة الكبرى للمبادئ والزعيم مجسَّدة فيها بكلّ معانيها فهي رمز الولاء، وما أنا إلا نقطة من بحر الفداء الذي كانت الأمينة الأولى تمثله.

كانت لا تألو جهداً بتأمين الراحة والطمأنينة لحضرة الزعيم الروحية منها والمادية، علماً بأنها أمّ لطفلتين بعمر الزهور (صفية واليسار) من الواجب المفروض رعايتهما وتنشئتهما بشكل صحيح، لم أر في دار الزعامة مربية أو خادمة أو طاهية، بل كانت الأمينة الأولى كل هؤلاء في دارها، كانت لا تتكلم إلا العربية الفصحى مع طفلتيها، عملاً بإرادة حضرة الزعيم، حتى أنها كانت تطلب إليّ أن أكلمهما بالفصحى عندما أصحبهما في المشاوير القصيرة.

أعجبُ كيف لامرأة هذا الصبر والصمود والقوة والتضحية والتفاني بإخلاص وتحمّل الصعاب والمكاره مع منكبيها راضية فخورة بما تقوم من الواجبات والحقوق:

واجبات حق الزوجية.

واجبات الأمومة.

واجبات متطلبات الدار.

استقبال الزوار.

الواجبات الحزبية.

المطالعة والاطلاع وغيره من الواجبات الأخرى.

إنها والله آية من آيات القوّة والصبر.

كانت الأمينة الأولى تحمل عبئاً كبيراً يستحوذ حداً كبيراً من اهتماماتها وكانت تحسّ بنفسها أنها مسؤولة أمام التاريخ (تاريخ سورية) عن عطاءات الزعيم الفكرية من فلسفة وعلم، تشعر بأنّ عليها واجب قومي لأمتها تجعل الزعيم يقدم كل ما يفكر به من حقّ وخير وجمال لأمته وبلاده وأن يدوّن عصارة عبقريته وعلمه على القرطاس كي يبقى نوراً وهدىً تستنير بهدية الأجيال اللاحقة.

أممتُ دار الزعامة بعد ظهر يوم لأمر ما، إثر ليلة مليئة بالمتاعب، وبعد التحية سألتُ الأمينة عن الزعيم فأجابت انه نائم، فإنْ كان الأمر خطراً أيقظته، وإن كان عادياً فلنتركه كي يأخذ قسطاً من الراحة.

ولم يكن الأمر ذا خطورة، فجلستُ في البهو أنتظر استيقاظه من نفسه، جلستْ الأمينة الأولى قبالتي وقالت: يا رفيق مظهر إنّ الزعيم أمانة في اعناقناً جميعاً، يجب علينا أن نتكاتف في سبيل تأمين راحته، إنّ افقتاره للراحة الجسدية والنفسية يقلل من عطاءاته، ونحن في هذا الوقت بحاجة ماسّة إلى كلّ دقيقة من حياته يقدّم فيها للأمة ما هي بحاجة إليه للنهوض والإزدهار. ان عطاءاته الآن تراث للأجيال القادمة، هو كنز تغتني به الأمة في عصورها اللاحقة، ولتثبت مكانتها تحت الشمس.

كانت تتكلم وفي نبرات صوتها الحنونة بحة خفيفة توحي للمستمع أنها تخفي شيئاً لا تريد البوح به. وقد استنتجتُ داخل نفسي انها كانت تخاف على حياة الزعيم من اليهود. (من يهود الداخل ويهود الخارج) فكيف إذا تكاتف الطرفان! إن هذا الشعور الخفي والإحساس كان يحدو بها أن تعمل بجد ونشاط على استفزاز عبقرية الزعيم للعطاء اللامتناهي لأمته وبلاده، فلكي يُخلَّد كما خُلّدَ الأنبياء والرسل. قالوا (وراء كلّ عظيم امرأة) انّ وراء الرسول محمد أمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد، ووراء الزعيم سعاده الأمينة الأولى جولييت المير سعاده، حملت الأمانة وتفانت في التضحية للحفاظ عليها وصيانتها وعملت بها. فهنيئاً لسورية بها. فهنيئاً لسوريا بها وللحزب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى