مقالات وآراء

المرفأ والطيونة ومصرف لبنان… لا بدّ من إزالة الخطوط الحمر

} أحمد بهجة*

قبل أيّ حديث سياسي أو اقتصادي أو مالي، لا بدّ من تقديم أحرّ التعازي والانحناء أمام أهلنا عائلات الشهداء والجرحى والمتألّمين من المجزرة المروّعة التي ارتكبها حزب «القوات» يوم الخميس الفائت بحق متظاهرين سلميّين كانوا يرفعون مطالب محقة ضدّ ظُلم استشعروه واستبقوا وصوله إليهم على متن تحقيق مسيّس إلى أقصى الحدود في قضية انفجار مرفأ بيروت.

في بادئ الأمر المطلوب إحقاق الحق، ومحاسبة الفاعلين ومعاقبة المتورّطين المعروفين بالوجوه والأسماء، ليس فقط أولئك القنّاصين المجرمين على السطوح الذي أطلقوا الرصاص على المتظاهرين العزل، لتأتي الإصابات في الرؤوس وفي الأجزاء العليا من الأجسام، بما يؤكد أنّ ارتكاب هذه الجريمة حصل عن سابق تصوّر وتصميم وتخطيط وبشكلّ مُعدّ له مسبقاً. وهذا ما يجعل من المستحيل السماح بتمييع القضية كما يحاول البعض، لكن هذه المحاولات لن تمرّ بكلّ تأكيد.

ثم في التحقيق بانفجار مرفأ بيروت لا بدّ من تصحيح المسار وإبعاده كلياً عن التسييس الظاهر والمعلن والمؤكد، خاصة أنّ الدعم الخارجي لهذا التحقيق بمساره الحالي (لا سيما من الكونغرس الأميركي) أمر لا يطمئن بل يثير الشبهة ويقطع الشكّ باليقين، ما يجعل المطالبة أكثر من مشروعة بضرورة العودة إلى المسار القضائي والقانوني البحت بعيداً عن التسييس والمسيِّسين والداعمين من الخارج الذين أثبتت الأيام الماضية والحاضرة انهم لا يريدون للبنان أيّ خير.

إذن أمامنا الآن قضيتان…

أولاً: التحقيق بانفجار مرفأ بيروت وأولوية تصحيح مساره ومنع تسييسه، تمهيداً للوصول إلى الحقيقة الكاملة، إنصافاً لأهالي الضحايا الذين نتعاطف معهم ونشعر بآلامهم وأوجاعهم، لكن يا ليتهم يأخذون العبرة من أهالي الضحايا الـ 22 الذين سقطوا مع الرئيس الراحل رفيق الحريري في انفجار 14 شباط 2005، حيث لا بدّ من توجيه السؤال إلى هؤلاء الأهالي: هل أرضتهم النتيجة التي توصلوا إليها بعد 15 سنة من أخذ هذا الملف رهينة في أيدي جهات خارجية ومعها بعض الداخل من أجل استخدامها في بازار السياسة، ما أدى إلى تضييع الحقيقة التي كان يحتاج إليها أهالي الضحايا ومعهم البلد بأكمله.

ثانياً: جريمة الطيونة التي لا تحتاج إلى تحقيق، حيث كلّ شيء واضح ومكشوف، ولا يحتاج الأمر سوى إلى بعض الحزم والحسم، لسوْق كلّ المرتكبين والمتورّطين إلى السجن ثم إلى المحاكمة والقصاص، ليس فقط للقتلة ومطلقي النار، بل أيضاً كلّ من شارك هؤلاء وأمّن لهم ما يحتاجونه لوجستياً للبقاء أطول فترة ممكنة فوق السطوح، وصولاً إلى المخططين في قيادة «القوات» بدءاً من رئيسها.

الأميركيون ومَن معهم في الخارج والداخل يريدون تحقيق أغراض سياسية من التحقيق في انفجار المرفأ، وهذا يجعل الأسئلة كلها مشروعة عن دور ما لهؤلاء أو لبعضهم على الأقل في التفجير، ولذلك يضعون الخطوط الحمر حول المحقق العدلي! وهؤلاء أنفسهم بدأوا يعملون في السرّ وفي العلن لحرف الأنظار عن حقيقة ما حصل في الطيونة، ولذلك نرى جهات مسؤولة تتراجع وتصدر معلومات جديدة مُغايرة لما كانت قالته هي نفسها عند وقوع الجريمة، ما يعني أنّ هناك قطباً مخفية يريدونها أن تبقى مخفية.

يقودنا هذا فوراً إلى جريمة أخرى يجب تسميتها جريمة العصر، والتي نفذها بحقّ اللبنانيين جميعاً ولا يزال يشرف على تفاصيلها يومياً حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (ما غيره). وهنا أيضاً نجد الخطوط الحمر الأميركية والدعم المطبق الذي يمنع إقالة أو محاسبة هذا الشخص الذي تحوم حوله الشبهات داخلياً وخارجياً هو ومَن معه من شركاء في ارتكاب هذه الجريمة التي أودت بودائع اللبنانيين المقيمين والمغتربين ومعهم بعض المودعين غير اللبنانيين الذين غالبيتهم الكبرى من الأشقاء السوريين والعرب.

هذه الجرائم الكبيرة تحتّم على اللبنانيين إذا أرادوا نيل حقوقهم والوصول إلى الحقائق كاملة، تحتّم عليهم أن يزيلوا الخطوط الحمر، الخارجية سواء كانت أميركية أو غير أميركية، والداخلية سواء كانت طائفية أو سياسية أو غير ذلك، ما يؤدّي إلى إزاحة المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، وعدم السماح لأحد مهما علا شأنه بتمييع قضية شهداء الطيونة، وإقالة «الحاكم» وإزاحته عن المملكة الذي تربّع على عرشها نحو ثلاثين عاماً كانت نتيجتها كلّ هذا الخراب الذي يعيش اللبنانيون اليوم فوق أنقاضه…!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*خبير اقتصادي ومالي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى