مقالات وآراء

وزراء يعملون وينجزون في حكومة «خارج الخدمة»…

} أحمد بهجة*

الحكومة اللبنانية هي حالياً «خارج الخدمة». والأسباب معروفة وواضحة لمن يريد أن يقرأ بعين الواقع والوقائع بعيداً عن الغايات الخاصة والعصبيات العمياء.

تعطلت الحكومة أولاً لأنها لا تريد اتخاذ القرار الحاسم بتصويب التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، بل تركت هذا الملف الهامّ والحساس جداً عرضة لأهواء الذين يريدون التلاعب السياسي بهذا التحقيق من أجل أهداف معلنة، وبات الأمر واضحاً جداً من خلال المواقف التي صدرت من الكونغرس الأميركي ومن وزارة الخارجية الأميركية، وهذا يثبت بما لا يقبل أيّ شك أنّ التحقيق انحرف عن مساره القانوني والقضائي، وصار لزاماً اتخاذ الإجراءات المناسبة لإعادته إلى المسار الصحيح.

ولأنّ المسؤولين المعنيّين باتخاذ القرارات في الحكومة لم يفعلوا ذلك، حصل ما حصل في الطيونة حيث دفع عدد من الأشخاص الأبرياء حياتهم ثمن عدم اتخاذ القرارات الصائبة في المؤسسات المعنية، وكلّ ذنب هؤلاء أنهم أرادوا التعبير بشكل سلمي عن رفضهم لما يفعله المحقق العدلي في انفجار المرفأ، فجاءت مجزرة الطيونة لتزيد من مسؤوليات القضاء الذي عليه إحقاق الحق ومحاسبة منفذي المجزرة ومعهم كلّ الذين حرّضوا وسهّلوا وأمّنوا السلاح والذخائر وغير ذلك من أمور لوجستية، خاصة أنّ كلّ الوقائع واضحة، وقد توضحت أكثر فأكثر مع اعترافات الموقوفين لدى الجيش اللبناني، ولم يبقَ سوى أن يتخذ القضاء ما يلزم من إجراءات عقابية بحق هؤلاء ومن معهم من مسؤولين مهما علا شأنهم أو مهما اعتبروا هم أنّ شأنهم عالٍ.

الآن تستمرّ الحكومة معطلة لأنّ البعض لا يريدون اتخاذ الموقف اللازم من الأزمة التي افتعلتها السعودية ضدّ لبنان، بذريعة ما صدر من كلام عن وزير الإعلام جورج قرداحي (قبل أكثر من شهر على تعيينه وزيراً) والذي اعتبر أنّ الحرب على اليمن هي حرب عبثية وأنّ اليمنيّين إنما يدافعون عن أنفسهم… اتخذت السعودية من هذا الكلام حجة أو شمّاعة، لكي تنفذ ما قرّرته بشكل مسبق فسحبت سفيرها من لبنان وطلبت من سفير لبنان لديها مغادرة الرياض، ومثلها فعلت الكويت والبحرين والإمارات…

لكن حسابات الحقل لدى السعودية لم تطابق حسابات البيدر، لأنّ ما أرادته لم يتحقّق ولم يكن له أيّ تأثير على الوضع السياسي في لبنان، فلا الحكومة سقطت ولا الوزير قرداحي استقال، بل واجه بصلابة ومعه حلفاؤه الأقوياء الذين يعرفون جيداً أنّ القصة أبعد من كلام قاله وزير الإعلام قبل تشكيل الحكومة، بدليل أنّ مسؤولين آخرين في لبنان قالوا الكلام نفسه في فترات سابقة ولم يكن للسعودية أيّ ردّ فعل تجاههم، هذا فضلاً عن كلام مماثل صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة وعن مسؤولين أميركيين بينهم الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه الذي اعتبر خلال مرحلة الانتخابات الرئاسية أنّ الحرب على اليمن عبثية، لكنه بعد وصوله إلى البيت الأبيض تناسى الأمر لأنّ تلك الحرب تفيد مصانع الأسلحة والذخائر في الولايات المتحدة بمئات الملايين من الدولارات.

هذا عن الوزير قرداحي الذي نحيّيه على جرأته وشجاعته، وقبل كلّ ذلك لأنه يقدّم مصلحة لبنان العليا على أيّ مصلحة شخصية. أما عن زملائه الوزراء الذين يواصل عدد منهم القيام بمسؤولياتهم ويجهدون لتحقيق بعض التقدّم في الملفات التي يتولون إدارتها، ويأتي في المقدمة وزير الطاقة الدكتور وليد فياض الذي يبذل الكثير من الجهد لكي يؤمّن عدداً من ساعات التغذية في التيار الكهربائي بعدما وصل الأمر في قطاع الكهرباء إلى حدود الصفر تقريباً وبات لبنان مهدّداً بالعتمة الشاملة.

ويعمل الوزير فياض اليوم على ملفين في الوقت نفسه هما استيراد الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سورية… وقد تمّ في الملفين إنجاز الجوانب الإدارية خلال زيارتين قام بهما وزير الطاقة اللبناني إلى كلّ من القاهرة وعمّان حيث التقى نظراءه المصري والأردني والسوري، وحضر الاجتماعات ممثلون للبنك الدولي الذي سيتولى تمويل هذه العملية، التي بقي  للبدء بها بعض الأمور التقنية لا سيما صيانة خط الغاز وخطوط الكهرباء، خاصة بين لبنان وسورية، وهو ما يتولاه الجانب السوري على نفقته، ويحتاج الأمر إلى أسابيع قليلة حتى يبدأ وصول الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، ما يعني زيادة في التغذية بالتيار الكهربائي حوالى عشر ساعات يومياً في كلّ المناطق.

أما وزير الأشعال العامة والنقل الدكتور علي حمية فهو في عمل متواصل وجهد حثيث لتحقيق أمرين سريعين، الأول مواجهة مسبقة للعوامل الطبيعية المنتظرة، وها أنّ الشتاء قد بدأ بقوة أول هذا الأسبوع، ولذلك دعا جميع كلّ من له علاقة بهذا الموضوع في طاقم الوزارة وفي المحافظات والبلديات واتحادات البلديات للاستنفار بأقصى الطاقات لتنظيف الأقنية ومجاري المياه تحسّباً لأيّ مفاجآت قد تأتي بها الطبيعة.

والأمر الثاني الذي يوليه الوزير حمية كلّ اهتمام هو النقل العام الرسمي الذي يخفّف الكثير من الأعباء عن المواطنين، خاصة مع الارتفاع القياسي في أسعار المحروقات، وهو في الأيام الأولى لتوليه الوزارة استقبل سفيرة فرنسا وحمّلها رسالة إلى إدارتها يطلب فيها تقديم المساعدة للبنان في هذا المجال، وتحديداً تقديم هبة باصات للدولة اللبنانية للبدء بتشغيلها على الخطوط الكبرى بين بيروت والمحافظات، تمهيداً لمرحلة لاحقة يتمّ فيها توفير نقل عام داخل المحافظات نفسها لا سيما في بيروت وضواحيها.

قبل أيام أعلن وزير الأشغال والنقل أنه لم يتبلغ بعد أيّ ردّ من الجانب الفرنسي، ولكن ما لم يعلنه الوزير هو أنّ الانتظار لن يطول كثيراً لأنّ هناك بدائل كثيرة، خاصة إذا توجهنا شرقاً حيث نجد جهوزية من قِبل الصين وإيران وروسيا لتزويد لبنان بما يحتاجه على هذا الصعيد، ومن دون أيّ تكاليف في الوقت الحاضر، لأنّ هناك حلولاً كثيرة يمكن اللجوء إليها مثل الإتيان بمئات الباصات من الصين والاتفاق على تشغيلها من قِبل شركات صينية على طريقة BOT، وبذلك لا يكون على الدولة اللبنانية أن تتحمّل تكاليف لا تستطيع تحمّلها في هذه المرحلة، وفي الوقت نفسه يكون المشروع قد وجد طريقه إلى التنفيذ بشكل يحصل اللبنانيون على أفضل خدمات النقل، خاصة أنّ التجارب الصينية تُعتبر علامة فارقة في هذا المجال.

ومع وزير العمل الدكتور مصطفى بيرم يصل الحديث إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي موضوع الرواتب والأجور والتقديمات التي يجب أن يحصل عليها العمال والموظفون، خاصة في ظلّ التدنّي الكبير والكارثي في قيمة العملة الوطنية، بحيث لم تعد الأجور والرواتب، مهما كانت عالية، تكفي ثمن طعام لأسرة عادية أكثر من أيام معدودة، وهذا ما يعطي جهود وزير العمل الأهمية القصوى…

ولم يتأخر الوزير بيرم عن اتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق تقدّم في هذا المجال، حيث أعاد إحياء لجنة المؤشر بعد غياب وتغييب استمرّ سنوات عدة، ولجنة المؤشر كما هو معلوم تضمّ ممثلين عن أصحاب العمل وعن الاتحاد العمالي العام، وطبعاً عن الدولة، بمعنى أنها تجمع شركاء الإنتاج حيث يطرح الجميع مطالبهم ومشاكلهم على طاولة البحث، ولا بدّ بنتيجة النقاش من التوصّل إلى قواسم مشتركة تعطي كلّ طرف حداً معقولاً مما طلبه، لأنّ الحصول على كلّ شيء غير متاح حتى في أحوال أفضل مما نحن فيه اليوم، ولكن يبقى أنّ التقدّم من خلال الحوار المنتج بين الشركاء أفضل من الإضرابات، رغم أنها وسيلة مشروعة طبعاً، لكنها أيضاً تعطل العمل والإنتاج.

ختاماً، وحتى لا نطيل أكثر، دعوة لكلّ الوزراء إلى أن يقدّموا أفضل ما لديهم كما يفعل الوزراء قرداحي وفياض وحمية وبيرم، لأننا بذلك فقط نستطيع تجاوز كلّ المصاعب والمعوقات، وننطلق باتجاه الحلول المستدامة التي يحتاجها بلدنا وشعبنا.

*خبير اقتصادي ومالي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى