أولى

وطني يا طائر «المينا»…

} مريانا أمين

ها قد أصبحنا اليوم طائر «المينا» الذي يذكرنا بطفولتنا وسهراتنا العائلية في غرفة جلوس صغيرة بزمن لم يكُن للهاتف المحمول بكلّ ما يحتويه من مواقع للتواصل الاجتماعي مكان بيننا؛ ونحن نتابع حلقات متتالية لسندباد عبر التلفاز، حيث أطلق عليه إسم «ياسمينا» وكان يرافق بطل القصة في كلّ رحلاته بمنقاره الأصفر اللون وعنقه الأسود ووقفته الشامخة، يرافقه بروحه المرحة العاشقة للبهجة والسرور.

وليس عبثاً اختار سندباد صديقه الذي جعله يتكلم كالإنسان دون أن يتردّد يوماً في الكلام مع الغرباء وإقامة أحاديث متنوعة المواضيع معهم…

وليس عبثاً أن نشبه طائر «المينا» بالكثير من تصرفاته الغريبة العجيبة والمختلفة عن غيره من الطيور والكائنات، لأننا أصبحنا نبحث عن رغيف خبز حتى لو كان مبللاً؛ ونشرب عصارة البرتقال المزروع في سواحل صور لنتغذى من خيراتنا علّها تعطينا جرعة نشاط، أو من حبة قمح بقاعية، أو من كمية قليلة من «الباستا «الإيطالية سابقاً والتي أصبحت الآن مصنوعة في بلد من الجهة المقابلة لأوروبا، لكن! على كلّ حال… المهمّ هو لقمة العيش.

نعم نحن «المينا» صديق المزراع، النشيط والاجتماعي الودود، سريع التأقلم مع البيئات كلها لسرعة حفظه لكلمات عديدة بلغات متعددة وتمييز معانيها، ليردّدها بذكاء لتصبح زقزقاته العذبة تسرّ الآذان، وهذا ما أكسبه شهرة واسعة في عالمه، وهكذا نحن…

نحن طيور «المينا» التي تحب العيش في مناطق مفتوحة لكنها تتأقلم سريعاً في مناطق أخرى من الدنيا، وهي التي تتربى في وكر بُنيَ بجهد الوالدين وعرق جبينهم من أغصان الشجر، لنرث مهارات العيش عن أجدادنا ونقلّد آباءنا في كلّ صغيرة وكبيرة.

هذه الطيور المخلصة التي تتزاوج ولا تخون، فتأخذ شريكاً واحداً طوال حياتها لتصبح رمزاً للحب الخالد، تبني أوكارها وتحمي صغارها، وتحضنهم لدرجة أنها تزورهم عشرات المرّات خلال ساعة واحدة لإطعامهم، وهكذا نحن…

لكن! ويا للعجب قد تندلعُ في بعض الأحيان معارك عنيفة وطاحنة بين فريقين بسبب تعدّي فريق على خصوصية فريق آخر محاولاً احتلال وكره، لتصبح الغلبة للفريق المنتصر بجسده الجسور وساقيه القويتين كلّ هذا لأنه يتمتع بمزاج عنيد وعندما يغضب يخرّب أوكار الطيور الأخرى ليتغذى على قوتها، وهكذا نحن…

والأهمّ من كلّ ذلك أنّه يعشق بلده ويستوطن به ولا يهوى الهجرة رغم أنه قادر على السفر لملايين الأميال بحثاً عن قوته، فلا يرحل عن وطنه كغيره بسبب تغيّر الأحوال الموسمية لكنه! يلجأ لهذا الحلّ قسراً بحثاً عن مقومات الحياة بكل ما تحويها من طعام وراحة واستقرار فيجده الحلّ الوحيد الذي يلبّي من خلاله حاجاته اليومية التي تشعره بالسرور والراحة، لكنها تبقى رغم كلّ شيء هجرة مؤقته فما يلبث أن يعود إلى موطنه بعد زوال كلّ الأسباب القاسية التي أبعدته عنه، وهكذا نحن…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى