الوطن

الحرائق المهولة تُشعل لبنان وتلتهم مساحات شاسعة من المزروعات والأحراج وتُلامس المنازل كفاح مرير لإخمادها وشكوك حول الأسباب ومولوي يلمّح إلى افتعال بعضها

وسط الأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية المتفاقمة، انشغل لبنان في اليومين الماضيين على المستويات الحكومية والسياسية والأمنية والشعبية، بسلسلة الحراق المهولة التي اندلعت فجأةً وتباعاً، في عدد كبير من المناطق اللبنانية وأتت على مساحات شاسعة من المزروعات والأحراج، عجزت طواقم الدفاع المدني والإطفاء على إخماد بعضها.

استنفار حكومي

وتابع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي موضوع الحرائق وأجرى لهذه الغاية اتصالات مع وزير الداخلية بسام مولوي وقيادة الجيش لاستنفار كل الأجهزة المعنية للإسراع في إخماد الحرائق ومنع تمدّدها. كما أجرى اتصالات استباقية طلباً للمساعدة من الدول المجاورة في حال اقتضت الحاجة إلى ذلك. كما تابع ميقاتي مع وزير البيئة ناصر ياسين الذي كان متواجداً في بلدة في وادي العزية في الجنوب الجهود المبذولة لإخماد الحريق الكبير الذي اندلع في البلدة.

بدوره تابع مولوي مع المعنيين، منذ ساعات الصباح الأولى أول من أمس، عمليات إخماد الحرائق التي اندلعت في كل من صور، بيت مري، عبرين والكسليك، والتي شارك فيها عدد كبير من المراكز الإقليمية التابعة للدفاع المدني وفرق الإطفاء التابعة لاتحادات البلديات، إضافةً إلى عدد من الطوافات التابعة للجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية في الجنوب.

وطلب إلى المعنيين الإسراع في إخماد الحرائق والعمل على منع تمدّدها، وأعطى تعليماته لتجهيز برك اصطناعية موقتة لاستعمالها من قبل الطوافات وذلك بالتنسيق مع القائمقامين والبلديات المعنية.

وتابع مولوي الحالات الصحية لعدد من عناصر الدفاع المدني الذين تعرضوا للإغماء من جراء عمليات الإطفاء. وزار مركز الدفاع المدني، للاطلاع على المتابعات المباشرة لسير مكافحة الحرائق وقال للصحافيين «تابعنا عن كثب وضع الحرائق المنتشرة من عكار إلى الكسليك والجديدة إلى إقليم الخروب وصولاً إلى النبطية وصور. لقد بذل شباب الدفاع المدني جهداً كبيراً للسيطرة على معظم الحرائق خصوصاً في الشمال والكسليك، لكن مع الأسف حريق الجديدة الذي كان بقرب مواد كيماوية أدى إلى وفاة عامل مصري».

 وألمح إلى أنه «قد يكون بعض هذه الحرائق مفتعلاً، والبعض ناتجاً عن تغيّر الطقس»، كاشفاً أن «التحقيقات اللازمة بدأت، خصوصاً أن الحرائق تُعرّض المواطنين إلى خطر داهم على حياتهم وممتلكاتهم».ّ

 ورداً على سؤال قال «الحرائق هي سبب تخريبي، إن كان لتأمين الحطب أو غيره، وكل تعدّ على الأحراش والغابات هو تعدّ ولا ذريعة لتعريضنا للخطر وسنجري الاستقصاءات والمتابعات وجمع المعلومات لتوقيف الفاعلين وسنُشدّد العقوبات».

وتواصل وزير الزراعة عباس الحاج حسن مع قيادة الجيش ووزارة الداخلية وقوات «يونيفل» ووزارة البيئة في إطار المساعدة السريعة على إخماد الحريق الكبير الذي تركز في منطقة صور في وادي العزية -زبقين والحنية وخراج مجدل زون وجب سويد.

وناشدت وزارة الزراعة القوى الفاعلة على الأرض وكل من لديه القدرة على المساعدة لإطفاء النيران ولتكون الجهود متضافرة في سبيل إخماد هذا الحريق الهائل.

نيران هائلة واستغاثات

وكانت النيران أتت أول من أمس، على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والحرجية وأسهمت الرياح القوية باقتراب النيران من المنازل السكنية في بلدة الحنية وزبقين ومجدل زون، فيما كانت فرق الدفاع المدني وجمعية الرسالة للإسعاف الصحي والهيئة الصحية الإسلامية، تعمل على إخماد النيران في محاولة للسيطرة عليها.

كما أخمدت عناصر من الدفاع المدني حريقاً شبّ في أشجار حرجية وأعشاب في بلدة كفردبيان – كسروان.

وناشد أهالي منطقة «غريفة» في الشوف المعنيين لإطفاء الحريق في الحرش القريب من المنازل السكنية والذي يستمرّ في الإشتعال رغم محاولات الدفاع المدني لإطفائه منذ 7 أيام. واندلع حريق كبير في أحراج بيت مري، سرعان ما توسعت رقعته بفعل الرياح وعمل عناصر الدفاع المدني على السيطرة عليه وإخماده.

وتمّت السيطرة على الحريق في بلدة المنصوري في صور بعد وصول طوافة للجيش اللبناني تمكنت من إخماد النيران.

واندلع حريق في مستودع لتخزين الأعلاف في بلدة الشيخ طابا العكارية، وقد سارع على الفور عناصر مركز حلبا الإقليمي للدفاع المدني إلى مكان الحريق، وعملوا على إخماده قبل امتداد النيران إلى الكميات المخزّنة في المستودع. واقتصرت الأضرار على الماديات.

كما اندلع حريق في أحراج الصنوبر في محلة جبل أبو علي الحلاق في خراج بلدة برقايل، وحاول الأهالي العمل على إهماد النار بما توافر لهم من وسائل، قبل حضور آليات الدفاع المدني للمساهمة في السيطرة على النيران ومنع تمددها إلى مساحات إضافية.

كذلك شبّ حريق في خراج بلدة بيت يونس العكارية، التهم مساحة من الأعشاب اليابسة، وامتد بفعل الرياح ليطال أشجاراً حرجية. وعمل عناصر الدفاع المدني على تطويق النيران وإخمادها قبل امتدادها إلى الأراضي المجاورة، كما عملوا على تبريد مكان الحريق خوفاً من اشتعاله مجدّداً.

 كما تأجّجت النيران في خراج بلدة مشحا العكارية وأتت على مساحة من الأرض العشبية اليابسة، عمل عناصر الدفاع المدني على إخماد الحريق قبل وصول النيران إلى الأراضي المجاورة والمشجّرة.

وأمس، بقي لبنان يكافح لليوم الثاني على التوالي، خطر الحرائق المتمدّد من منطقة إلى أخرى مبتلعاً مساحات شاسعة من الأحراج والمساحات الخضراء، وسط مساعي فرق الإطفاء المتعدّدة للسيطرة على النيران، خصوصاً في بيت مري التي أطلقت بلديتها الصرخة معلنةً أن النيران أكلت الأخضر واليابس ووصلت إلى البيوت والأحياء السكنية. ومساءً، تجدّد الحريق في بعض أحراج المونتيفيردي بسبب سرعة الرياح وحاول الدفاع المدني السيطرة عليه. وكان قد أُعلن أنه تمّ إطفاء غالبية الحرائق في منطقة دير القلعة

وكانت مروحيات الجيش اللبناني قد توقفت عن التحليق في محيط دير القلعة بسبب انعدام الرؤية ليلاً.

وتآزرت طوافتان من القوات الجوية في الجيش اللبناني مع عناصر الدفاع المدني، وقد جُهّزت لهذه الغاية بركة اصطناعية في دير القلعة لزيادة فاعلية عملية الإطفاء.

من جهته، أكد مدير عام الدفاع المدني العميد ريمون خطار «أننا نعمل بكل الإمكانات المتوافرة في أيدنا وبمؤازرة الجيش ونسعى لتكثيف الجهود لحماية الناس وأرزاقهم لأنّ رقعة الحريق كبيرة في بيت مري ولا أريد استباق التحقيقات ولكن يبدو أنّ حريق اليوم مفتعل».

وأُفيد أن حريقاً اندلع في بلدة آسيا البترونية، وتوجهت فرق الدفاع المدني إلى المكان لمحاصرة النيران. ولاحقاً، ناشد أهالي البلدة الجيش إرسال طوافة عسكرية لإهماد الحريق الذي لامس المنازل السكنية.

بدورها، أعلنت المديرية العامة للدفاع المدني أنه تم إخماد حرائق في بشمزين (الكورة) – بعقلين (الشوف) – فتري (جبيل).

وفي صور، تمكّنت فرق الاطفاء في الدفاع المدني و «جمعية كشافة الرسالة» في حركة «أمل»، من السيطرة على الحريق الذي اندلع في خراج بلدتي قانا والرمادية، حيث أتت النيران على مساحات واسعة من أشجار الزيتون والعشب اليابس.

وبعد جهودٍ مضنية، تكمنت فرق الدفاع المدني من إخماد حريق في سهل الميدنة بين بلدتي كفررمان والجرمق، كما جرى إخماد حرائق عدّة بين بلدتي شوكين وزبدين وفي مرتفعات حيّ البياض في مدينة النبطية.

كذلك، تمكّنت فرق الإطفاء من مركز الدوير من إخماد حريق اندلع صباح أمس، بين بلدتي كوثرية الرزّ وأنصار فضلاً عن حريق آخر بين بلدتي صير الغربية وكفرصير.

وفي المقابل، أفيد عن تجدّد الحريق في وادٍ ما بين الزرارية والخرايب وكوثرية الرزّ في منطقة الزهراني، وعلت نداءت للإغاثة.

كما اندلعت أمس، في عكار سلسلة حرائق في بلدات عكارية مختلفة. ففي بلدة فنيدق اندلع حريق من دون خسائر مادية وبشرية إذ اقتصر على أكوام من النفايات، كما شبّ حريق في بلدة منجز التهم مساحة من الأعشاب اليابسة وامتدّ بفعل الرياح ليطال أشجاراً حرجية وأخرى مثمرة مختلفة.

 وأتى حريق في بلدة البيرة على مساحة من الأرض العشبية اليابسة وامتد ليطال أشجاراً حرجية وأخرى مثمرة، كما اندلع حريق في بلدة الشيخ محمد أتى على مساحة من كرم للعنب وأعشاب يابسة.

وعمل عناصر الدفاع المدني كل ضمن نطاقه على تطويق الحريق وإخماده ثم تبريده، خوفاً من تجدده بسبب سرعة الرياح.

كما أخمد عناصر الدفاع المدني، بالتعاون مع الأهالي، حريقاً اندلع في أشجار حرجية ومثمرة وأعشاب يابسة بالقرب من مدرسة بقرصونا الرسمية في الضنية، قبل اتساعه وتمدّده باتجاه المناطق السكنية. وقد اقتصرت الأضرار على الماديات.

وامتدت الحرائق نحو البقاع الغربي حيث اشتعلت الأحراج في خراج بلدة عيتنيت الواقعة قرب بحيرة القرعون و في خراج بلدة المزرع. واندلع أيضاً حريق كبير بين باب مارع وعيتنيت في البقاع، في أشجار معمّرة، وامتد بصورة سريعة إلى القرى المجاورة. وناشد الأهالي، المعنيين مساعدة فرق الدفاع المدني والجيش بإخماد النيران.

وأخمد عناصر الإطفاء في الدفاع المدني حريقاً اندلع، والتهم مساحات من الأعشاب والأشجار الحرجية في بقعاتة عشقوت – كسروان.

وفي الشوف، اندلع حريق كبير في منطقة عاضور في خراج بلدة عرمتى في منطقة جبل الريحان وأتى على مساحات كبيرة من أشجار الزيتون والصنوبر والأعشاب والبلاّن، وقد عملت فرق من الدفاع المدني وفوج إطفاء جبل الريحان على محاصرة النيران وإخماد مساحات كبيرة منها.

ردود فعل

إلى ذلك، دعت رئيسة لجنة «المرأة والطفل» النيابية النائب الدكتورة عناية عز الدين إلى «إنصاف متطوعي الدفاع المدني بأسرع وقت ممكن من خلال تطبيق القانون الذي ينص على تثبيتهم والإسراع بتقديم التعويضات للمتضرّرين ومعالجة الأراضي الزراعية والحرجية المتضرّرة وإلى وضع الخطط والسياسات اللازمة لتأمين كل المستلزمات والتجهيزات والبنى التحتية للوقاية ولمكافحة الحرائق في لبنان».

 كلام عز الدين جاء خلال جولتها على المناطق التي اندلعت فيها الحرائق في منطقة صور خلال اليومين الماضيين وأشادت بأداء المتطوعين من الدفاع المدني وكشافة الرسالة والهيئة الصحية. ولفتت الى أن «لبنان يفتقر إلى ثقافة حماية البيئة، ما يجعله سنوياً عرضةً للحرائق في ظلّ غياب التجهيزات والبنى التحتية»، مشدّدةً على «ضرورة تأمين كل المستلزمات الضرورية لمواجهة الحرائق والحدّ من أضرارها مهما كان سبب اندلاعها وإلى جهوزية أفضل من أجل ملاقاة الحرائق ومنعها من الامتداد».

 ومع تجدّد الحرائق، أشارت عز الدين إلى أنها أجرت اتصالات بكل من رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء والهيئة العليا للإغاثة ووزير الزراعة، مشدّدةً على «ضرورة الإسراع بتقديم التعويضات للمتضرّرين إضافةً إلى معالجة الأراضي وإصلاحها والاهتمام بالمحميات الطبيعية التي لحقتها أضرار كبيرة جرّاء هذه الحرائق».

بدوره، شدّد عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن عز الدين، في بيان، على «ضرورة فتح تحقيق لكشف أسباب الحرائق التي اندلعت في العديد من البلدات الجنوبية، بخاصة أن الظروف المناخية الحالية، وإن كانت عاملاً مساعداً على تمدّد النيران، إلاّ أنها لا تشكل عاملاً مسبّباً لها، مع أن بعض الحرائق اندلع ليلاً، مطالباً الأجزة الأمنية والقضائية بـ»القيام بمسؤولياتها في المتابعة والاستقصاء لكشف الفاعلين وإجراء اللازم».

 وأجرى عز الدين اتصالاً برئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير ووضعه بآخر تطورات الحرائق، والأضرار التي خلّفتها في المحاصيل الزراعية وبكروم الزيتون وبالثروة الحرجية. بدوره وعد خير بإجراء كل ما يلزم لمساعدة الأهالي المتضرّرين من هذا الحريق والتعويض عليهم في القريب العاجل.

 وعلّق الوزير السابق وديع الخازن في بيان، على موجة الحرائق التي ضربت وادي العزية وزبقين وعدد من المناطق الجنوبية. وقال «هل هو طبيعي أن تهبّ الحرائق دفعةً واحدة في وادي العزية وزبقين وعدد من المناطق الجنوبية لتحصد في طريقها كل ما يعترض سبيلها، لكأن كل ذلك في « كبسة زرّ». إذ كان ينقص الناس هذه المصيبة فوق المصائب المتلاحقة التي تصيبهم بالشلل الحاصل في البلاد».

 وتابع «وفي موازاة هذه الصدمة غير المنتظرة، والتي قد تكون وراءها أياد عابثة، ما زلنا مفعمين بأمل الخلاص عن طريق المبادرة إلى إعادة تفعيل الحكومة بالسرعة المطلوبة لاستنهاض مؤسسات الدولة ومحاصرة التدهور على الصعيد السياسي والإداري والمالي والإقتصادي والمعيشي، قطعاً لدابر الحرائق السياسية والأمنية وأي حرائق كالتي شهدناها اليوم».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى