مقالات وآراء

“بكاؤكما يشفي وإنْ كان لا يجدي”

} منجد شريف

كان إبن الرومي قد رثا ابنه بإحدى قصائده بالقول :

بكاؤكما يشفي وإنْ كان لا يجدي

فجودا فقد أودى نظيركما عندي

فها نحن اليوم نحتفل بمناسبة الاستقلال، وقد اقتصرت المناسبة على عرضٍ رمزي، بعدما كانت العروض السابقة تأخذ وقتاً لا بأس به من حيث التحضير والعرض، ومردّ ذلك إلى ما تعانيه البلاد جراء الأزمة التي نمرّ بها، فبكاؤكما يشفي وإنْ كان لا يجدي.

إنَّ الأزمة التي نعيش، سببها الرئيس هو غياب المال السياسي، الذي شكل منذ القدم المحرك الأساسي للعجلة الاقتصادية، فضلاً عن الفساد الذي اجتث كلّ مقوّمات الصمود، فلولا مفاعيل الفساد وما تبخّر وأهدر من المال العام، لكانت قدرتنا على الصمود أقوى وأمتن.

لا شك أنّ أزمتنا مفتعلة لأهداف وغايات معينة، عناوينها في الترسيم البحري للبلوكات النفطية، وموازين القوى في المنطقة فضلاً عن أمن العدو وما يمكن أن يتهدّده من أخطار في المستقبل، إضافة للسلاح ومن يحمله ووجهته وضمانات منع استعماله، وكانت الأزمة فصلاً من فصول المواجهة، والهدف منها ممارسة الضغط على كلّ لبناني مهما كان تموضعه واصطفافه، لتحقيق غايتين، الأولى خلق جوّ ملائم لمعارضة حقيقية للسلاح من خارج السلطة وتحميله المسؤولية لكلّ ما حلّ في البلاد، والغاية الأخرى استمالة كلّ من هو متذبذب أو متأرجح في الانقلاب على حملة السلاح واختيار تموضع آخر.

إنّ مسار الأحداث منذ تولي العماد ميشال عون رئاسة الجمهورية، وما أعقبها من انقلاب على التسوية التي سهّلت وصوله، يشي بأنّ الضغوط الخارجية من خلال نافذة الاقتصاد لها أهداف كبيرة، فكانت الأحداث المتسلسلة من الحرائق الى ١٧ تشرين الأول، الى ٤ آب  انفجار المرفأ، وما رافقها من تحليق للدولار وما انعكس عنه من نتائج كارثية في الاقتصاد والحياة المعيشية لجميع اللبنانيين، وهذا المسار لا يزال مستمراً في تسلسل أحداثه المأساوية، بعدما صارت حياة اللبناني المعتمد على راتبه بالعملة الوطنية أشبه بالمأساة، جراء تبخر القيمة الشرائية والغلاء الكبير في كلّ شيء.

كانت المواجهة لتلك الأزمة تستدعي تضافراً من كلّ اللبنانيين، لكن كما جرت العادة انقسمت المواقف، واصطف اللبنانيون على جري عادتهم في اصطفافين متضادّين، وعوض عن أن يكون العنوان المعيشي هو الابرز، ضعنا في عناوين أخرى، وصارت المواقف تأتي على كلّ شيء، إلا عما يمكن فعله للتخفيف عن كاهل المواطن من أعباء باتت تهدّد وجوده وتؤدّي الى هجرات اقتصادية خارج لبنان.

انّ الصمود في أزمة كهذه يستدعي وجود مسؤولين أكفاء، يعون دقة اللحظة، وشعب موحد لا يتاجر ببعضه في أزماته، وكلها أمانٍ لا تلامس حقيقة ما نواجه، فكان الله بعوننا أننا خلقنا في هذه البقعة المشؤومة من خارطة استعمارية، جزّأتنا ليسهل الاستفراد بكلّ جزء منا، تحت مسمّيات دول كانت أمة واحدة، فأصبحت دولاً متناحرة ومسلوبة الإرادة لجهات خارجية تعبث بها وبثرواتها ومواردها…!

ومرة جديدة نقول مع ابن الرومي:

بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي

فجودا فقد أودى نظيركما عندي…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى