أولى

عالم ما بعد كورونا… بين المؤامرة والمتناقضات!

 د. جمال زهران*

صدرت عن دوائر طبية رسمية في فرنسا، منذ عدة أيام، أنّ «كورونا» بدأت تدخل الموجة الخامسة، وبانتشار لا مثيل له، وخسائر ضخمة غير محتملة، ووجهت الشعب الفرنسي بضرورة الحذر حتى تمرّ هذه الموجة الخامسة.

في الوقت نفسه فإنّ مسؤولين ألماناً يحذرون الشعب الألماني من موجة كورونا الجديدة، والتي تمكنت من الانتشار على رغم الإجراءات والجهود الضخمة التي بذلتها حكومة ميركل، للحيلولة دون التمكن من الانتشار خلال العامين السابقين، وهو أمر ينذر بمخاطر شديدة.

في الوقت ذاته فإنّ بريطانيا تشهد درجة انتشار لفيروس كورونا، في موجة جديدة أيضاً، على رغم امتلاكها لأكثر من لقاح، وعلى رغم ارتفاع نسبة التلقيح بين أفراد الشعب الإنجليزي، إلى حدّ أنهم أوشكوا في بريطانيا على إتمام إعطاء اللقاح لجميع أفراد الشعب، وبدأت الغالبية تتلقى الجرعة الثالثة!

الأمر إذن جدّي وخطير، فها هي أكبر ثلاث دول أوروبية (ألمانيا – فرنسا – بريطانيا)، تواجه انتشاراً غير مسبوق لفيروس كورونا، على رغم كلّ الجهود التي بذلت لحماية الشعوب في هذه الدول. فما بالكم بالدول الصغرى التي تتلقى «المعونات اللقاحية» من الدول الكبرى المنتجة، أو تقوم بشراء بعضها في إطار انعدام الشفافية المعتادة في الدول الديمقراطية!

وقد سبق أن قمت بتحليل هذه الظاهرة من بدايتها في مقالات عدة نشرت هنا في جريدة «البناء»، ومقالات أخرى في أماكن أخرى، وقد تأكد لي أنّ انتشار هذا الفيروس، المعروف بذات الاسم منذ عدة سنوات سابقة، هو فعل تآمري، وليس انتشاراً طبيعياً. كما أنه يأتي في إطار الحروب البيولوجية بين دول كبرى، راحت ضحيتها الدول الصغرى والمتخلفة بطبيعة الحال.

وبعد توليد الفيروس ونشره بطريقة معينة، بدأت في الصين ثم انتقلت إلى مناطق أخرى وبخاصة إلى أميركا وأوروبا ثم روسيا والشرق الأوسط! وقد تمّت محاصرته في الصين وأصبح تحت السيطرة، بينما فقدت السيطرة عليه في المناطق الأخرى من العالم. وأصبح لكلّ دولة عالمها الخاص في الإعلان عن الأرقام (إصابات ـ وفيات)، فهي ضخمة للغاية في الدول الديمقراطية، بينما هي محدودة في الدول غير الديمقراطية، ومن ثم فقد اختلفت وسائل مواجهة أزمة انتشار الفيروس من بلد لآخر، ومن منطقة لأخرى! ولكن الثابت حتى الآن في قراءة نقدية لهذه الأزمة، ما يلي:

1 ـ تأثر الاقتصاد العالمي بهذه الأزمة، بدرجة كبيرة، وواجهت جميع دول العالم خسائر ضخمة وبدرجات متفاوتة، الأمر الذي أثر في مكانة الدول ومستواها الاقتصادي، ولا تزال التقارير الدقيقة في طريقها للنشر.

2 ـ تأثر مستويات معيشة المواطنين في جميع دول العالم وبنسب مختلفة، بطبيعة الحال، فاضطرت الكثير من الدول لصرف إعانات للمواطنين وتوسّعت في بدلات البطالة، نتيجة إغلاق المؤسسات والشركات الخاصة، والتي اضطرت لطرد الموظفين والعاملين، وارتفاع نسب البطالة بشكل غير مسبوق في العالم. وقد تكبّدت اقتصاديات العالم خسائر فادحة غير مسبوقة، لها تأثير كبير في قرارات سياسية لدول عظمى، وهي غير معلنة عن ارتباطها بأزمة الكورونا! على حين أنّ دولاً صغرى، تتسم اقتصادياتها بالتخلف والتبعية وعدم العدالة بين مواطنيها، تحمّل المواطنين تداعيات الأزمة، فتفرض أعباءً جديدة على المواطنين من ضرائب ورسوم، لا تتكلف فيها الدولة أيّ شيء مطلقاً! وتأخذ حكومات هذه الدول، أموالاً من المواطنين بدلاً من إعانتهم على مواجهة فيروس كورونا، لدرجة عدم مجانية فحص كورونا، وعدم علاجهم، وعدم بناء مستشفيات جديدة، واعتبار أنّ ذلك من الرفاهية، على حين يعتبرون المشروعات الثانوية هي الأساس والأولوية!

3 ـ تأثر قطاع السياحة في العالم بشكل كبير، وقد صدر تقرير عالمي، رصد حجم الخسائر الضخمة في السياحة، بما يتجاوز نصف تريليون دولار عالمياً! وفي الدول الصغرى التي تعتمد اقتصادياتها على السياحة، فقد تأثر دخلها من السياحة، وانخفضت إلى الثلث في العامين الماضيين، وضاعت عملات صعبة بلا حدود على ميزانيات هذه الدول، وانهارت صناعة السياحة في العالم كله، وبدرجات متفاوتة بلا شك. وقد أغلقت شركات سياحية بلا حصر حتى الآن في العالم، وفي منطقتنا العربية على وجه الخصوص.

4 ـ انهيار سياحة المؤتمرات العالمية، واستبدالها بعقد المؤتمرات، وعقد الاجتماعات عبر تقنيات جديدة (زووم وغيرها)، الأمر الذي أضرّ أيضاً باقتصاديات الدول وأحدث شللاً في السفر بين الدول. حتى أنّ السفر يتمّ الآن وفقاً لظروف اضطرارية بلا شك!

الأمر جدّي وخطير، فإنّ من تداعيات أزمة انتشار وباء كورونا على مدار عامين، بالمؤامرة بطبيعة الحال، من دون نكران وجودها الفعلي، ذلك الانهيار الذي تتعرّض له اقتصاديات الدول الكبرى، فما بالكم بالدول الصغرى التي تخفي الحقائق على شعوبها حفاظاً على استمراريتها والوقوع في شرك الديون الخارجية والتبعية، من دون استدراك الموقف، مع الإصرار على الاستمرار في مشروعات وهمية بلا عائد اقتصادي على الشعب!

فعالم ما بعد كورونا، هو ليس ما كان سائداً ما قبل كورونا، وعلينا أن ندرك أنّ حالة عدم الاستقرار في النظام الدولي، والنظم الإقليمية، بخاصة النظام الإقليمي العربي والشرق أوسطي، وربما تشهد المنطقة العربية زلازل سياسية غير مسبوقة، تظهر بداياتها في السودان، وفي الواجهة انتصارات للشعب اليمني في مواجهة العدوان السعودي الإماراتي!!

فهل ستنتهي أزمة وباء كورونا، قريباً؟! الإجابة هي أنّ هناك من يشيع ذلك في أميركا على لسان بايدن، وغيره، ولكن في المقابل تصريحات متناقضة على لسان مدير منظمة الصحة العالمية والمسؤولين الكبار تشير إلى أنّ احتمالات الانتهاء من الوباء، قد تكون قريبة، أو بعيدة! فهل يتسق ما تم التصريح به في دول كبرى في أوروبا (بريطانيا – ألمانيا – فرنسا)، من أنّ موجة خامسة بدأت في الانتشار بصورة شرسة، تتسق مع احتمالات انتهاء الأزمة؟!

ما زلنا نعتقد أنّ فيروس كورونا، لم يحقق ما تمّ استهدافه من وراء نشره العمدي، فما زالت الأرقام محدودة (وفيات: 5 – 6 ملايين)، أما الإصابات فقد تخطت (300) مليون، ولذلك فإنني أرجح استمرار المؤامرة، حتى تأتي النار أكلها، كما يقولون. وإنّ غداً لناظره قريب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى