أولى

تأييد عالمي للقضية الفلسطينية في مواجهة خيانة المطبّعين…!

 د. جمال زهران*

في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، بعد 74 عاماً من قرار تقسيم الأمم المتحدة غير الشرعي وغير العادل الذي أسهم في تشريد الشعب الفلسطيني، وفكك دولته، يلاحظ احتفال عالمي بهذا الحدث في كلّ أنحاء الكرة الأرضية، إلى الدرجة التي لم أتمكن من ملاحقة كلّ هذه الاحتفاليات التي أكدت وتؤكد أنّ قضية الشعب الفلسطيني، قضية حية ومستمرة لن تتوقف حتى تحرير فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، مهما حدث من انكسارات أو انتصارات. إلا أنني أسجل مدى شعوري بالخجل والعار نتيجة ظهور حالات تأييد كبيرة في داخل المجتمع الأوروبي والأميركي في شكل يعكس مدى النمو في الوعي الشعوبي تجاه القضية الفلسطينية وعدالتها. فضلاً عن حجم التأييد المتزايد أيضاً، ولكنه طبيعي في العديد من الدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث.

في ذات الوقت، وعلى الجانب الآخر، حيث تشعر بالخجل والكارثة، عندما تجد نظماً عربية ملكية إرثية بالأساس تلهث وراء الكيان الصهيوني من أجل ضمان الاستمرار في الكرسي وضمان توارثه بسلاسة، ضماناً لمصالح الأسر والعائلات الحاكمة، مثل الإمارات والبحرين والمغرب، فضلاً عن نظام السودان الجمهوري بكلّ أسف. كما أنّ الأردن تسعى لتمرير اتفاقية مشتركة مع الكيان الصهيوني، وسط عاصفة من الرفض الشعبي، وهو الأمر الحادث في المغرب نتيجة عقد اتفاقية دفاعية مع الكيان الصهيوني، وسط مظاهرات شعبية في كلّ أنحاء المغرب ترفض هذه الاتفاقية المشبوهة!

فعندما تلاحظ أن ماليزيا «الإسلامية»، ترفض دخول فريق الاسكواش الصهيوني إلى أرضها للمشاركة في البطولة الدولية للإسكواش، مهما كان الثمن أو العواقب، الأمر الذي أدّى بالاتحاد الدولي إلى إلغاء البطولة، وعلقت الحكومة الماليزية على ذلك بالقول: إنّ القضية الفلسطينية هي الأهمّ، وهل يُعقل أن نستضيف على أرضنا، القتلة المحتلين لأرض فلسطين والمدنسين للقدس الشريف! ألا يدعونا ذلك للخجل مما يحدث من الأنظمة العربية الوراثية؟

وعندما يقف نائب بريطاني «كربسبين بلانت» من حزب المحافظين الحاكم، تحت قبة البرلمان «مجلس العمومي البريطاني»، ليعلن رفضه لقرار الحكومة باعتبار أنّ حركة حماس الفلسطينية، هي حركة إرهابية بجناحيها «السياسي والعسكري»، قائلاً، «إنّ مقاومة الاحتلال في العرف الدولي هو حق مشروع»، ولذلك فإنّ قرار الحكومة البريطانية خطير وسيكون له تأثير مخيف على قطاع غزة والشعب الفلسطيني فيها! يا للخجل من تصرفات النظم العربية الوراثية من اللهاث وراء العدو الصهيوني، كسباً له، للتقرّب من إدارة بايدن الأميركية، ضماناً لاستمرارهم في الحكم!

كذلك يلاحظ قيام جمعية التضامن مع الشعب الفلسطيني في غرب فرنسا، برفع الإعلام الفلسطينية احتفالاً بيوم التضامن مع الشعب الفلسطيني وصاحَبتها مظاهرة كبيرة يوم 29 نوفمبر 2021، ألا يدعو ذلك للخجل من التصرفات الرعناء لأنظمة الحكم التي تتسول الرضى الصهيوني؟

وأيضاً قام متضامنون أحرار، برفع العلم الفلسطيني في أعلى قمة جبل في العالم «قمة إيفرست»، دعماً للشعب الفلسطيني في اليوم العالمي للتضامن مع القضية الفلسطينية، ويفعلون ذلك كلّ عام! ألا يخجل المطبّعون واللاهثون وراء الصهاينة والأميركيين؟

إلا أنّ النائب البرلمانية «ستيفاني بروكسنرو» في البرلمان السويسري، أكدت تضامنها الكامل مع الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده «القدس/ الضفة الغربية/ قطاع غزة والمهجر»، وتدين الجرائم «الإسرائيلية» ضدّ الفلسطينيين العُزَّل، وتطالب بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس! إنها النائب الحرة الأوروبية التي تمتلك ضميراً إنسانياً، لا تمتلكه شخصيات تشغل كراسي الحكم بالوراثة وتحتاج إلى ضامن لها مدى الحياة، ولم تجد سوى الكيان الصهيوني! يا للخجل!

كذلك رفضت ملكة جمال اليونان «رافائيلا بلاستيرا» المشاركة في مسابقة جمال الكون التي تنظمها «إسرائيل» في إيلات الشهر المقبل، وأعلنت انسحابها قائلة «لا أعيش في فلسطين، لكن فلسطين في قلبي للأبد». يا للخجل!

تلك هي نماذج فقط، لأنّ هذه النماذج موجودة في كلّ برلمانات العالم، ومنها طبعاً دول أميركا اللاتينية الحرة التي تدعم القضية الفلسطينية بلا حدود، ومثيلتها في القارتين الأفريقية وآسيا!

فضلاً عن ذلك، فإنّ صدور قرار من حكومة «جونسون» البريطانية ضدّ حماس، واعتبارها منظمة إرهابية بجناحيها «السياسي والعسكري»! لم يُسجَّل اعتراض من جانب الأنظمة العربية المطبعة، باستثناء تصريح محدود من الجامعة العربية!

كما أنّ حكومة أستراليا تصف حزب الله، أنه منظمة إرهابية بجناحيه السياسي والعسكري، في إطار التحالف الثلاثي «أميركا/ بريطانيا/ استراليا»، من دون أن يكون هناك ردّ فعل عربي مطلقاً بكلّ أسف!

في المقابل فإنّ التطبيع بين نظم عربية هي «المغرب/ الإمارات/ البحرين/ السودان»، يسير على قدم وساق، بالوصول إلى اتفاقيات عسكرية واقتصادية وسياسية وثقافية إلخ… وهو أمر كارثي للغاية وشيء مخجل!

عند هذا الحدّ أقول إنّ العروبي الحقيقي، عندما ينظر إلى تصرفات غالبية النظم العربية الحاكمة «وراثية/ جمهورية»، يشعر بالخجل والاغتراب، ويزداد خجلاً واغتراباً عندما ينظر إلى النماذج الداعمة للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في أنحاء العالم، والتي أشرت إلى بعض نماذجها.

لذلك فإنه على رغم ما يحدث من مآس في عالمنا العربي، إلا أنّ اليقين أنّ ذلك لن يستمر، وأنه قد آن الأوان لإزاحة العار عن شعبنا العربي قريباً بإذن الله، وإنّا لمنتظرون، وإنّا لمنتصرون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى