مقالات وآراء

إيران… بين مطرقة التهديد وسندان المحادثات النووية

} د. حسن مرهج

المحادثات النووية بين إيران والقوى الدولية، دخلت مساراً جديداً لجهة البحث بشكل جدّي، عن حلول تُفضي إلى التوصل لاتفاق جديد، يُبدّد شبح التوترات السياسية والعسكرية على السواء، خاصة أنّ التوصل لاتفاق نووي، يجمع طهران والقوى الدولية، سيكون لهذا الأمر انعكاسات مباشرة وإيجابية، على مجمل ملفات المنطقة، لكن في المقابل، ثمة جزئيات لا بدّ من المرور عبرها، والتي تتمثل برفع سقف التصريحات السياسية، وصولاً للتهديدات بشن عمل عسكري، يطال المنشآت النووية في إيران، وضمن ذلك، ثمة إشكالية عميقة، تتمحور حول عدم رضوخ إيران للمطالب الأميركية، وبذات التوقيت، فإنّ واشنطن لا تُلقي بالاً لمطالب إيران المُحقة، لجهة رفع العقوبات عنها، تمهيداً للعودة إلى الاتفاق النووي، مع ضمانات بتعهّد جميع الأطراف الموقعة على الاتفاق، باحترام إيران الموقع والدور الإقليمي المؤثر والفاعل.

ولا نجافي الحقيقة إنْ قلنا، بأنّ إيران بحاجة ماسة اليوم، إلى ذلك الاتفاق، انطلاقاً من حرص إيران على تهدئة المناخ الإقليمي، أضافة إلى الرغبات الإيرانية برفع العقوبات المفروضة أميركياً على الشعب الإيراني، لكن هذا الموقف الإيراني، لا ينبع من ضعف، أو فقدان الخيارات، وانما الموقف الإيراني هو موقف قوة، بدليل قدرة إيران على تجاوز العقوبات الأميركية، والاستمرار بتطوير برنامجها النووي، كما أنّ إيران، تتمتع بصبر استراتيجي، مكّنها من تحقيق معجزات سياسية واقتصادية وعسكرية، ومنذ خروج واشنطن من الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وطهران تطالب بتعويضات اقتصادية جراء العقوبات الأميركية، الأمر الذي تقرأه الإدارة الأميركية، ضمن إطار المحاولات الإيرانية لعرقلة الوصول إلى اتفاق نووي جديد.

وبالتالي، يبدو واضحاً أنّ هناك سجالات إيرانية أميركية، تصبّ مباشرة في مسار المحادثات النووية وعرقلته، ولعلّ الإملاءات الأميركية والتي ترفضها طهران، لجهة توسيع نقاط وبنود الاتفاق النووي، ليشمل دور إيران الإقليمي، إضافة إلى مشروع إيران حيال الصواريخ البالستية، فإنّ هذه الوقائع والاستثمار الأميركي بها، يمكن وضعه في إطار دراسة الخيارات، وهندسة معادلة عضّ الأصابع، ما يعني، أنّ واشنطن وطهران باتا في ربع الساعة الأخير قبيل التوقيع على اتفاق نووي جديد، ودليل ذلك، التسريبات الأميركية والإيرانية والتي تؤكد أنّ التوقيع على اتفاقية نووية جديدة، بات قاب قوسين أو أدنى، خاصة أنّ الطرفين الأميركي والإيراني، يدركان جيداً أنه لا بدّ من تقديم بعض التنازلات هنا أو هناك، لكن لا ضير من رفع كلّ طرف سقف مطالبه، للوصول إلى هدفه الاستراتيجي من إعادة تفعيل الاتفاق النووي.

في مقابل ذلك، تدرك القوى الإقليمية والدولية، بأنّ التهديدات العسكرية التي تطال طهران، لا تُقدّم ولا تُؤخر إيرانياً، خاصة أنّ تلك القوى، تدرك تفوق إيران العسكري، وقدرتها على معالجة أي تهديدات من هذا النوع بحكمة واقتدار، فضلاً عن أن إيران قوة إقليمية لديها حلفاء استراتيجيون، وسيدافعون بقوة عن طهران، وفي الجوهر فإنّ ما تريده واشنطن، هو عدم رؤية قوة إقليمية لديها حلفاء أقوياء، تنافس الوجود الأميركي في المنطقة، وتحدّ من سياساته، فضلاً عن رغبات أميركية لإبقاء إسرائيل ضمن معادلة القوة الوحيدة في المنطقة، وهذا يؤكد بأنّ واشنطن لديها الكثير من نقاط الضعف، بينما إيران تسير بخطى استراتيجية، وتحافظ على علاقات نوعية مع كلّ القوى، وتفرض احترامها حتى على القوى الإقليمية، التي تنظر للدور الإيراني في المنطقة، بمنظار الريبة والتوجس.

ختاماً، يمكننا القول صراحة، بأن لا لمصلحة لأحد في هذه المنطقة، من جرّ إيران إلى حرب اقليمية، ولعلّ التهديد بحرب ضدّ طهران، وتزامن ذلك مع تقدّم على مسار المحادثات النووية، إنما يؤكد حقيقة أنّ كافة القوى الإقليمية والدولية المناهضة لطهران، لا يريدون الوصول إلى نقطة اللا عودة، وحتى لو في حال فشل التوصل لاتفاق نووي جديد، فإنه ثمة خيارات أُخرى قد تُفضي إلى اتفاقاً نووياً بصيغ معدلة، لكنه بالقطع لن يكون الخيار العسكري مطروحاً لا على الطاولة الأميركية ولا «الإسرائيلية»، وتبقى التهديدات العسكرية ضدّ طهران، جوفاء لا قيمة لها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى