أولى

انهيار الدول وسقوطها !

 د. عدنان منصور*

عندما كنّا على مقاعد الدراسة ونقرأ عن سقوط الأمم والإمبراطوريات والدول، حيث كانت لهذا السقوط مؤشرات مسبقة كثيرة، دامت لسنوات وعقود قبل السقوط، كنت أتساءل في نفسي، ألم يكن هناك من رجال يقفون وقفتهم لتلافي هذا السقوط والانهيار؟! ألم يكن هناك من قادة وزعماء ورجال، يتحلون بذرة من الشرف الوطني والكرامة والنخوة والمسؤوليّة، في الدولة التي تشارف على الانهيار والتفكك، ليقوموا بما يتوجب عليهم ان يقوموا به، حتى لا يرون الهيكل ينهار عليهم ويودي بهم جميعاً، وتصبح سيرتهم وسيرة بلدانهم من مخلفات التاريخ؟!

الجواب على تساؤلاتي يُترجَم اليوم على أرض الواقع في وطننا الذي ومنذ سنوات، بدأت جدرانه تهتزّ وتؤشر للسقوط. ساكنوه من حكام وقادة ومسؤولين، يتبارون في تبادل الاتهامات، والشتائم، والتخوين، والإهمال، بعد ان تقاسموا بيت المال، واستأثروا بالوليمة الدسمة، وظفروا بكلّ صغيرة وكبيرة. يشاهد الواحد منهم كلّ يوم وكلّ ساعة، سقوط أحجار الوطن الواحد تلو الآخر، بأمّ عينيه، ويرى تصدّع جدرانه الآيلة حتماً، وكلّ لحظة الى السقوط، فيما نوافذه المخلعة تتناثر منها القطع المهترئة على رؤوس الناس، من دون أن يحركه حسّ وطني ولو في حدّه الأدنى، او ذرة ضمير يوخزه، او شرف، أو كرامة توقظه.

 لبنان يتصدّع، يهتز يسير بخطى سريعة نحو الانحدار والسقوط، وشعبه يرضخ، يجوع، يئنّ، يذلّ، يصبر بخنوع، يكتفي باللعنات، والشتائم، والسباب، وفي أحسن الحالات بالنكات اللاذعة أحياناً، والتافهة في أغلب الأحيان. مسلماً أمره جهلاً، وتعصّباً، لعصابة وهو يجد نفسه تسحق أمام أعين المفسدين في الأرض، الذين لا همّ لهم سوى كيفية الحفاظ على كراسيهم، ونفوذهم، ومناصبهم، وسلطانهم، وجرّ المغفلين من قطعانهم ليكونوا مطية لهم .

 لا داعي بعد اليوم لقراءة تاريخ الدول وأسباب سقوطها، وفساد قادتها، وتقاعس حكامها، وانحطاط مسؤوليها، فلنا منها في لبنان المثل والمثال في حكامه وزعمائه، وهم المحاطون بأزلامهم، وحاشياتهم، و»قبضاياتهم»، يعيشون عالمهم الخاص، داخل بروجهم المشيّدة بعرق ودم شعبه، لا يرفّ لهم جفن وهم يشاهدون قوافل الجياع والمنهوبين، واقفين بلا شرف ولا حياء أمام تحلل وطن، ونهاية صيغة، وتفكك دولة، وتمزق وحدة شعب، وتبدد عيشه الواحد.

 قرأناك عبد الله الصغير وانت آخر ملوك الاندلس، وقرأنا الطوائف التي قضى على أوطانها ملوك الطوائف، فذهبت الطوائف وذهب معها الملوك والدولة والأرض. واليوم نقرأ من هم على شاكلتك في لبنان، ملوك طوائف، ومذاهب، ومناطق، وأحياء، وأزقة، أبعد ما يكونوا عن وطن قومي يجسّدون فيه مفاهيم الأمة والدولة الموحدة القادرة المقتدرة. قالت أمك يوماً: تبكي كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه كالرجال! أما في لبنان، فإننا نفتقد لحاكم شريف شجاع او قائد فذ، او زعيم نبيل يحافظ عليه، او حتى يبكيه عند سقوطه، بعد أن جفت الدموع في عيونه الوقحة منذ زمن، ولم يعد يحسب للديان أيّ حساب حتى ولو أصبح نصف جسده في القبر !

فكم من عبد الله الصغير لدينا في لبنان، لتقول له امه ومعها شعبه:

ألا لعنة عليك يوم ولدت وترعرعت، ويوم عشت حقيراً فاسداً، ويوم تموت نذلاً مقيتاً!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى