أولى

ماذا لو عاد ترامب؟

 سعادة مصطفى أرشيد*

مرت منذ أيام الذكرى الأولى لمحاولة الجمهوريين ومعهم جموع من الغوغاء من أنصار الرئيس السابق ترامب اقتحام مبنى الكابيتول ـ الكونغرس ـ في سابقة لم يشهد مثلها ذلك المبنى منذ قرنين من الزمان، وجد الرئيس بايدن في هذه الذكرى مادة للهجوم على خصومة الجمهوريين وبشكل خاص على سلفه ترامب، الذي كان قد اتهم بأنه وراء تلك المحاولة. ادّعى بايدن قلقه على الديمقراطية والنظام الأميركي مستثمراً الحدث والقلق كفصل من فصول الدعاية الانتخابية للحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفية للهيئة التشريعية، ولعلّ استذكاره لغزوة الكابيتول، يعبّر أيضاً عن قلقه من انخفاض شعبيته إلى مستويات دنيا، ومن ارتفاع شعبية ترامب بشكل لافت داخل أوساط الجمهوريين، مما يجعل هذا الأخير صاحب حظ مرتفع ليفوز بترشيح حزبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

لم يحقق بايدن نجاحات مهمة مع انقضاء قدر من ولايته كان من المفروض أن يكون كافياً لإحداث فرق يرفع من رصيد حزبه الانتخابي في الانتخابات النصفية القريبة، أو في الانتخابات الرئاسية المقبلة. في الملف الداخلي وهو الأهمّ اقتراعياً، لا تزال جائحة كورونا تزيد من انتشارها بأسماء ومتحوّرات جديدة، فيما حالة الكساد وتباطؤ النمو الاقتصادي والإنتاج لا تزال تفتك في مستوى حياة ورفاه المواطن الأميركي، التضخم يرتفع والبطالة تتسع، ولا تزال سياسات بايدن الشعبوية غير قادرة على رتق ما أحدثه سلفه من تلف وتمزقات في نسيج بلاده الاجتماعي، فسعار العنصرية ضدّ غير البيض على حاله.

في السياسة الخارجية كما الداخلية لا نجاحات تذكر، والانسحاب من أفغانستان كان قد تمّ التحضير له من قبل ترامب، العلاقة مع الحليف الاستراتيجي ـ أوروبا ليست على ما يرام، بل ازدادت توتراً، مع فرنسا بسبب إبطال أستراليا عقد شراء الغواصات النووية، ومع ألمانيا بسبب مطعوم استرا زينيكا وبسبب اختلاف الرؤى وتعارض المصالح حول قضايا كثيرة منها إيران والملف النووي، ومنها حاجة ألمانيا وسائر أوروبا للغاز الروسي الآتي عبر خط نورد ستريم 2 الذي قاومته الإدارة السابقة واضطرت الإدارة الحالية للقبول به على مضض، كما أنّ أوروبا لا تجد مصلحة لها في التورّط بحرب باردة او ساخنة مع الصين، كما لا مصلحة لها في أن تتجنّد لحصار روسيا وعلى حساب اقتصادياتها ومصالحها وهموم التلوّث الذي تعمل على خفضه من خلال التخلي عن مصادر الطاقة التقليدية لحساب الغاز الآتي من روسيا. العلاقة مع روسيا تمرّ في صعوبات جراء ما جرى ويجري في أوكرانيا وكازاخستان، وتنظر موسكو إلى محاولة إدخال دول الاتحاد السوفياتي السابق لحلف الناتو وكأنه إعلان حرب لن تتردّد في خوضها، الصين بدورها ليست تهديداً تجارياً لواشنطن فحسب وإنما تهديد استراتيجي أيضاً، ولا يمكن احتواؤها أو هضم وجبة بهذا الحجم وهذه الدسامة، أذرع الصين الطويلة ودبلوماسيتها الصامتة الهادئة، وصلت إلى معظم أرجاء العالم من وسط آسيا إلى المتوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وها هو طريق حريرها قد أصبح ـ أو يكاد سالكاً عبر القطارات التجارية السريعة والزهيدة الكلفة، وهو قادر على إيصال بضائعها إلى أبعد الأماكن، ومع الهدوء الذي اتسمت به سياسات بكين في العقود الماضية، إلا أنها أخذت ترفع من حرارة خطابها الإعلامي وتدعمه بالمناورات العسكرية واستعراضات القوة، ووجدت بالتوافق الصيني ـ الروسي انّ نصف العالم قد أصبح في حلف مضاد، فيما لم تجد إدارة بايدن من الحلفاء إلا انجلترة وأستراليا.

شرق أوسطياً، التزمت إدارة بايدن بالسياسات القديمة تجاه سورية وبعقوبات «قانون قيصر» الذي ورثته من سابقتها، وإنْ اضطرت لغضّ الطرف عن تزويد لبنان بالوقود والغاز والكهرباء عبر الأراضي السورية وبما يعود بشيء من الانفراج على قطاع الطاقة السوري، كان ذلك نتيجة للإحراج الذي أوقعته بها المقاومة اللبنانية والحليف الإيراني. في اليمن تركت إدارة بايدن حلفاءها السعوديين والإماراتيين يعملون لديها كشريك مضارب، أيّ أن تكون شريكاً في المغانم لا المغارم بالطبع إنْ كان هناك مغانم، ورأت أن تتعامل مع الأزمة على محورين الأول اعتبارها أزمة إنسانية والثاني أنها مرتبطة بإيران ونتائج المحادثات الجارية معها سواء تأزماً أو انفراجاً. في فلسطين لا عمل حقيقياً أكثر من إدارة الأزمة بما يتفق مع نظرية تقليص الصراع وشراء الوقت، العمل على إبقاء نتنياهو خارج الحكومة ودعم حكومة بينيت بإطلاق يدها للعمل استيطاناً ومصادرة أراضٍ مع تقديم بعض الدعم والتسهيلات للسلطة الفلسطينية على أن لا تدخل معها إطلاقاً في محادثات ذات طابع سياسي أو تفاوضي على حلول نهائية، يترافق ذلك مع تصريحات مضللة تعطي انطباعاً بأنّ ثمة في واشنطن من لا يزال يتذكر حل الدولتين، فيما تصدر عن الخارجية الأميركية، بيانات متناقضة كما حصل الأسبوع الماضي، إذ أصدرت لجنة حقوق الإنسان في الخارجية تقريرها الرسمي السنوي، امتنعت فيه عن اعتبار الضفة الغربية أرضاً محتلة، فيما صدر في اليوم التالي عن الوزارة ذاتها بيان آخر اعتبر أنّ الأراضي التي احتلت عقب حرب 1967 هي أراضٍ محتلة، لا الضفة الغربية فحسب وإنما الجولان أيضاً.

الملف الإيراني ربما كان الأكثر جدية، بايدن يريد العودة للاتفاق الذي أبرمته إدارة اوباما وخرجت منه إدارة ترامب، وإن كان لا يسمح (لإسرائيل) باعتراضه، إلا انه سيرضيها بإطلاق يدها للتطاول على الضفة الغربية وغزة والأراضي السورية، بالعدوان الاستيطاني أو بالعدوان المسلح، تحاول إيران تعزيز مكاسبها والوصول إلى اتفاق اشمل وأكثر ثباتاً من الاتفاق السابق وقادر على الصمود أمام الهزات الانتخابية الأميركية.

هكذا يبدو الرئيس بايدن، عجوزاً باهتاً، وكما شخصية نائبته التي كان يتوقع لها ان تظهر كشريك في الحكم، وصاحبة مبادرات تؤهّلها لأن تكون المرشحة الديمقراطية المقبلة للانتخابات الرئاسية.

مقابل هذه الصورة الباهتة، نرى صورة الرئيس السابق ترامب ذات بريق برغم اتسامها على أنها كاريكاتير، يحقق هذا الأخير تقدّماً في شعبيته لدى أعضاء الحزب الجمهوري كما لدى الناخب الحائر الذي لم يحدّد موقفه، يبدي تصميماً وعناداً في سعيه للعودة للبيت الأبيض، وهو مستعدّ للاستثمار بسخاء في سبيل ذلك، وقد استثمر مؤخراً قرابة المليار دولار في إنشاء منصة للتواصل الاجتماعي باسم (تروث سوشال Truth Social) اثر اعتراض تويتر وفيس بوك لتغريداته.

السؤال المهمّ: ماذا لو عاد ترامب إلى البيت الأبيض؟ وهو سؤال مشروع إذ إنه احتمال ممكن الحدوث؟

لعلّ هذا ما يفترضه العقل السياسي الإيراني الحيوي والنشط اذ يبدي حذراً بالغاً وتشدّداً له ما يبرّره، فهو يريد ضمانات من الإدارة الأميركية بأن لا يتمّ الانقلاب على الاتفاق في حال تغيّرت الإدارة وخاصة إذا عاد ترامب للبيت الأبيض.

ولكن ماذا عنا في فلسطين وجوار فلسطين إن عاد ترامب؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى