أولى

حكومة الميقاتي: المراجعة الجدّيّة أو الفشل الذريع

 بشارة مرهج _

يسجل على حكومة الرئيس ميقاتي، التي يتوقع أن تجتمع قريباً ضمن أطر وضوابط محددة، النقاط الآتية:

أولاً: على الرغم من وعودها بالربط بين رفع الدعم عن بعض السلع من جهة، وتأمين البطاقة التمويلية من جهة أخرى، تخلّت الحكومة عن وعدها بتأمين البطاقة وأطلقت العنان لعملية رفع الدعم وتحرير الأسعار مما زاد من أعباء المواطنين بصورة هائلة وساهم في رفع نسبة التضخم ومعها منسوب الفوضى في البلاد.

ثانياً: وعدت الحكومة بتحضير مشروع الموازنة باكراً وضمن المهلة الدستورية غير أنها بسبب صراعاتها الداخلية تخلّفت عن التزامها وأصبحت بحاجة الى عقد استثنائي لمجلس النواب لمناقشة المشروع وإقراره. ونعتقد أنّ الحكومة ستقدّم مشروع الموازنة في أواخر شهر كانون الثاني الحالي، في حين انه كان ينبغي تقديم المشروع في وقت مبكر نظراً لأهمية الموازنة العامة في تحقيق الانتظام العام ونظراً لكونها تشكل مدخلاً للإصلاح وتبيان الخطة التي ستعتمدها الحكومة للنهوض والتعافي.

ثالثا: بدلاً من أن تتماسك الحكومة وتشكل عبر الحوار داخل مجلس الوزراء موقفاً موحداً حيال القضايا الأساسية المطروحة بدت الحكومة طيلة الفترة الماضية جسماً مترهّلاً مفككاً بالكاد يستطيع تسيير الأعمال بالمعنى الضيق للكلمة في وقت كان فيه لبنان والمجتمع الدوليّ يترقبان حكومة قويّة واثقة من نفسها تعرف ما تريد على الصعيد الاقتصاديّ كما السياسي، وخاصة في ما يتعلق بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

رابعاً: بينما توقّع كثيرون أن يؤدي تشكيل الحكومة الى حلحلة بعض الاختناقات الاقتصادية وتحريك عجلة الإنتاج وتحسين علاقات لبنان بالخارج، فشلت الحكومة في كل هذه النواحي، مما أحبط الكثيرين من اللبنانيين، خصوصاً الشباب الذين تدفقوا على مراكز الأمن العام لاستصدار جوازات السفر ومغادرة لبنان.

خامساً: بينما توقع كثيرون ومنهم صندوق النقد مبادرة الحكومة الى إجراء إصلاحات على المستوى الماليّ والإداريّ وتشكيل الهيئات الناظمة ومجالس الإدارة وإنجاز التشكيلات القضائيّة والديبلوماسيّة دون تدخل سياسيّ فشلت الحكومة في تحقيق كلّ ذلك، ونجحت في زيادة الاضطراب داخل الجسم القضائي كما الديبلوماسي كما الإداري، فضلاً عن القطاع التربويّ.

سادساً: أما أهمّ ما أخفقت فيه الحكومة فكان فشلها في وضع البلاد على سكة الإصلاح التي تقتضي بداية، تنحية الفاسدين الذين فوق استهتارهم بالمال العام، أخفقوا في إدارة الشؤون المالية والنقدية والإدارية التي يتولّونها. مرة ثانية أعطت الحكومة الأولوية للمحسوبية والولاء الطائفي بدلاً من الكفاءة والجدارة فأشعرت اللبنانيين بعجزها عن مخاطبة توقعاتهم وترجمة أمانيهم بالتجاوز والتقدّم مما ضاعف من مشاعر السخط واليأس لدى كثيرين رأوا الخلاص في الهجرة.

 سابعاً: بدلاً من تقديم حاكم البنك المركزي للمساءلة جراء الفشل الذي سجله حنثاً في وعوده وفشلاً في أعماله، مما ألحق أضراراً لا توصف بأموال وحقوق اللبنانيين، قامت الحكومة ولأسباب ذاتيّة بمنح الحاكم تغطية شاملة مكّنته من إهدار قسم جديد من الاحتياطي الإلزامي على عمليات تجارية ومصرفية غير سليمة، مما أدّى الى إضعاف الليرة اللبنانية وزيادة منسوب اللااستقرار في الأسواق اللبنانية وتعطيل حركة الاقتصاد وعرقلة حركة الإصلاح.

أما الحركة الأخيرة التي قام بها الحاكم مستخدماً الاحتياطي الإلزامي، بعدما وعد بعدم المسّ به، فكانت مناورة محدودة في الزمن والتأثير ولم تؤدّ الى تزخيم الإنتاج أو تخفيض سعر الفوائد أو إدخال عملة صعبة للبلاد وإنما أدّت فقط إلى تربيح المصارف والصيارفة بما يذكر بالهندسات المالية سيئة الصيت. فلو كان القصد إيجابياً ويعكس قدرة على السيطرة لكان هبوط سعر الدولار تدريجياً وليس فجائياً حتى يمكن استيعاب الصدمة وتفادي آثارها السلبية.

ثامناً: فشلت الحكومة حتى الآن في إعداد خطة النهوض والتعافي رغم وجود خطة قابلة للتعديل والتطوير وضعتها حكومة الرئيس دياب قبل أن تسحقها أقدام لجنة المال والموازنة والتحالف الحاكم الذين رفضوا الاعتراف بمسؤوليتهم عن كارثة الانهيار الاقتصادي ورفضوا المشاركة في تحمّل العبء الذي اقترحته الخطة يوم ذاك…

وبعد… أفضل ما تقوم به الحكومة اللبنانية اليوم هو مراجعة سياساتها وقراراتها التي لم تؤدّ بعد أشهر من تشكيلها الى وضع البلاد على طريق النهوض الذي وعدت به.

*نائب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى