أولى

مخيم الرمل سيرة من حنين…

} حمزة البشتاوي*

من أصل 650 ألف لاجئ فلسطيني في سورية يعيش 6 آلاف منهم في مخيم الرمل الذي يحمل أسماء عدة ومنها الرمل الجنوبي حي العائدين وحي القدس والرمل الفلسطيني، وأنشئ على مساحة تقدّر بنصف كم في العام 1952 ويتوسطه شارع رئيسي وحيد أطلق عليه اسم الشهيد وليد زامل. والخدمات فيه كانت بسيطة ومتواضعة قبل أن تتحوّل إلى رديئة تسبّب طوفان المياه على البيوت والشارع والأزقة في فصل الشتاء، وكان أهالي المخيم يحصلون على المياه من الآبار المحفورة بالبيوت، وأما الكهرباء فقد دخلت إلى المخيم في منتصف الستينات.

سكان المخيم لاجئون من عدة مدن وقرى فلسطينية أبرزها يافا وحيفا وعكا وصفد والطنطورة وعين غزال والطيرة وأجزم وجبع وكفرلام وبلد الشيخ وعتليت صبارين وترشيحا والزيب… وأطلقوا على حارات المخيم أسماء مثل حارة يافا وحارة حيفا وحارة الطنطورة وحارة عين غزال وحارة جنين وعمل أبناء المخيم في مدينة اللاذقية التي أحبّتهم وأحبّوها في العديد من المهن وخاصة في المرفأ والصيد والحرف اليدوية، ومن شريط الحنين والذكريات تبرز العديد من الصور والشخصيات في سيرة المخيم التي أتذكر منها الكبار موسى البطل وسعيد حبقزة وأبو أسعد أبو شملة ورشيد عبد الرحمن وأحمد الأحمد (أبو لبدة)، وأتذكر على الصعيد الصحي الدكتور عبد الله الجدع المتواضع الودود، والدكتور السوري مصطفى جعارة الذي أحبّه الجميع، وكان يتواجد في المخيم مركزين صحيّين واحد للأونروا والثاني للهلال الأحمر الفلسطيني.

وأتذكر على الصعيد الرياضي أسماء عدة ومنها بسام عبد نجيب وهاني عوض وخالد رنو وسعيد حريري وخالد بشتاوي، ثم ناصر حمصي ومحمد عكارة واسماعيل شاويش، وفي الفن أتذكر صانع الأعواد أبو تيسير السمرا والفنان تيسير السمرا والفنان فادي عبد الحق، وفي الفن التشيكيلي أتذكر الفنانين قاسم حبيب وزيدان أبو حامد وخالد متولي ومرهف فانوس، وفي المجال الثقافي والأدبي أتذكر زكي الأسطة ومحمود أبو حامد وسليم النفار حيث شكلنا معاً لجنة فرعية للكتاب والأدباء الفلسطينيين في اللاذقية بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب وخاصة مع الأساتذة الأدباء والشعراء هند هارون وزهير جبور وبديع صقور وغيرهم من أعلام الأدب والثقافة في المدينة وفي المخيم الآن أسماء منها نبيل شاويش ومحمد زعرور.

كما تحضر من شريط الذكريات صور لمعالم المخيم من ساحة العيد وجامع فلسطين والأفران التي كان أبرزها فرن سعيد مكنية أبو مجدي وفرن حبقزة وفرن الحجة، وكذلك أول دكان في المخيم للحاج كامل المصري وفيه أول مطحنة للقهوة، وأتذكر محلات بيع الفول والحمص والفلافل وأولها على يد أبو الديب الزقزوق وأم عصام وأبو العباس وأبو الشكر وكذلك المقاهي ومنها مقهى أبو جهاد ومقهى أبو ماهر ومقهى الشاويش ومقهى أبو الجمعة وكان أهالي المخيم ما قبل غروب الشمس يجلسون على الشاطئ الرملي النظيف يتأمّلون ضحكات الأطفال التي تخفف من آلام الغربة وترفع وتيرة الشوق لمدنهم وقراهم التي غادروها ولم تغادرهم ولا تزال تنبض فيهم بجدارة الانتماء والتمسك بالعودة التي من أجلها التحقوا بفصائل الثورة الفلسطينية التي تقيم أنشطة ثقافية ورياضية وفنية وسياسية تؤكد على الهوية والقضية التي ينتمون إليها لما تزال الشعارات صامدة على الجدران.

ورغم حالة الاستقرار والأمان والاندماج الاقتصادي حافظ المخيم على سماته الخاصة كما حافظ أهالي المخيم على عاداتهم وتقاليدهم الممزوجة برائحة الزعتر والجوافة المنتشرة في معظم البيوت التي يتكئ سكانها على الحنين باعتباره الأوكسجين المناسب لمن بقوا ولمن غادروا المخيم بعد الأزمة والأحداث التي بدأت عام 2011، ليصبح بعدها طعم القهوة ممزوجاً بالكثير من النكبات والخيبات وألم المنافي البعيدة التي نطلّ منها على المخيم والبحر من مسافة نبض وذاكرة كي نرمي فيه أسرارنا التي لن يبوح بها لأحد.

*كاتب وإعلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى