أولى

دول غرب آسيا في مرحلة انتقاليّة: لا سلام قبل الانتهاء من رسم خرائطها السياسيّة الجديدة

 د. عصام نعمان*

لا غلوّ في القول إنّ العالم برمّته في حال عدم استقرار متزايد. أكثر مناطقه معاناة في هذه الحال منطقةُ غرب آسيا الممتدة من شواطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً الى شواطئ بحر قزوين شرقاً. كلّ دول المنطقة هذه في حال توتر وغليان، وبعضها يعاني حروباً متناسلة وأزمات اقتصادية واجتماعية واضطرابات أمنية متواصلة. بعض الخبراء الاستراتيجيين يرى ان لا ضوء في نهاية النفق الطويل للمرحلة الانتقالية. بعضهم الآخر يرى أن لا سلام ولا استقرار قبل انتهاء اللاعبين، كبارهم وصغارهم، من رسم الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة المضطربة.

في قراءة سريعة للصراعات المتأجّجة في المنطقة، نقع على الظاهرات الآتية:

في العراق، ثمة صراعٌ محموم بعد الانتخابات لوضع اليد على مقاليد السلطة. إذا لم يتوصل اللاعبون المتصارعون الى تسوية بشأن تأليف حكومة وطنية متوازنة فإنّ البلاد مرشحة للانزلاق الى حرب أهليّة تشارك فيها الولايات المتحدة الساعية، على ما يبدو، الى عدم سحب قواتها لضمان عدم قيام تحالف بين إيران وسورية والعراق يمكّن أطراف محور المقاومة من الوصول الى شواطئ المتوسط عبر لبنان وتهديد الكيان الصهيوني. واشنطن الراغبة في التوصل الى تسوية بشأن إحياء الاتفاق النووي تحتاط بمنع طهران من اغتنام التسوية المرتقبة لتعزيز نفوذها في العراق ودعم أعداء «إسرائيل» المحيطين بها من الشمال (حزب الله ومقاومته في لبنان) وحركتيّ «حماس» و»الجهاد الإسلامي» وسائر قوى المقاومة في قطاع غزة وأنصارها في الضفة الغربية.

في سورية، تبدو أميركا عازمة على إبقاء قواتها في شمال شرقي البلاد (محافظتي الحسكة ودير الزور) وفي شمالها الجنوبي (قاعدة التنف) على مقربة من حدود سورية مع العراق والأردن. الى ذلك، تقوم واشنطن بتعزيز قوات «قسد» الكردية المتمرّدة على الحكومة المركزية في دمشق، كما تشجع واشنطن «إسرائيل» على ضرب عدّة مواقع عسكرية في مختلف أنحاء سورية بدعوى وجود قوات إيرانية فيها، ما يُسهم، في ظنّها، بإضعاف سورية ويُسيء الى هيبة حكومتها. وليس ما يشير الى وجود تغيير في سياسة أميركا في هذا المجال.

في لبنان، تزداد الأزمة المزمنة تعقيداً، وتبدو مرشحة الى انفجارات محتملة عشية الانتخابات المزمع إجراؤها في منتصف ايار/ مايو المقبل. واذ تتمسك واشنطن كما الرياض بسياسة تطويق حزب الله والإصرار على إضعافه وإبعاده عن الحكومة، تزداد الصراعات حدّة بين التكتلات المحليّة المتنافسة على نحوٍ قد تشعر هذه التكتلات معه بأنها قد تخسر كثيراً من مقاعدها في البرلمان ما يهدّد نفوذها السياسي في قابل الأيام فتقرّر تدوير زوايا خلافاتها والتوافق على تأجيل الانتخابات وتمديد ولاية مجلس النواب الحالي الى حين التوصل الى تسوية تكون فيها معظم الأطراف النافذة رابحة او غير خاسرة على الأقل.

في تركيا، يبدو الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه في حال تراجع سياسي متواصل بسبب أزمة مالية واقتصادية تعانيها البلاد، الأمر الذي يهدّد نفوذه شخصياً كما نفوذ حزبه في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في العام المقبل. هذا الى جانب التعقيدات التي تواجه سياسة أردوغان حيال سورية واضطراره الى مواجهة تحديين ماثلين: إصرار حكومة سورية المركزية على استعادة الأراضي التي تحتلها تركيا في شمال البلاد وغربها، وعدم توصل أنقرة الى تفاهم مع واشنطن حول مصير فريق من الكرد السوريين أقاموا إدارة ذاتية في محافظة الحسكة حيث آبار الغاز والنفط وعجز ذراعهم العسكرية، منظمة «قسد»، عن الإمساك بالأرض ومرافق المنطقة بدليل قيام تنظيم «داعش» الإرهابي بشنّ هجوم على سجن يحتوي أكثر من خمسة آلاف سجين وتمكّنه من تحرير بعضهم. هذا بالإضافة الى تحدٍّ آخر هو قيام واشنطن بإعادة تسليح «داعش» بغية دعم الفصائل والجماعات المتمرّدة على الحكومة المركزية في دمشق من جهة، ومن جهة أخرى لتبرير بقاء قواتها في العراق بأنه للحدّ من نفوذ إيران. كلّ ذلك من شأنه تأجيج الصراع بين كلّ الأطراف المنخرطة فيه لأسباب تتعلّق بمصالحها الاقتصادية وبأمنها الذاتي ومطامعها الاقليمية.

في إيران، تشعر قيادة البلاد بأنّ الولايات المتحدة و»إسرائيل» جادتان في محاصرتها سياسياً واقتصادياً، وربما محاولة النيل منها عسكرياً، للحدّ من تنامي نفوذها في دول المنطقة. لذا تتحسب طهران لكلّ هذه التحدّيات وتحاول تنفيس التوتر بإعادة العلاقات الديبلوماسية مع السعودية وتطمين سائر بلدان الخليج بأنها جادة في ترسيخ علاقات حسن الجوار والتعاون معها. غير أنّ ذلك كله لا ينهي حال التوجس والارتياب بين الأطراف المتصارعين، لا سيما بعد اشتداد الصراع في اليمن وانتقال أطرافه الى الضرب في عمق بعضهما بعضاً، وتصريح الرئيس الأميركي بايدن مؤخراً بأنّ «إنهاء الحرب في اليمن صعب جداً» الأمر الذي فسّرته صنعاء كما طهران بأنّ واشنطن ما زالت جادة في تأجيج الصراع وتصعيده.

في «إسرائيل»، تواجه حكومة نفتالي بينيت تحديات داخلية وخارجية متفاقمة. ففي الداخل، تواجه تصعيداً من جانب المستوطنين العنصريين ضدّ الفلسطينيين ولا سيما لجهة توسيع رقعة الاستيطان الاقتلاعيّ حتى في المناطق التي ترغب الحكومة في عدم تسريع إجراءات تغيير وضعها الحالي، وفي مجال استفحال جائحة كورونا وانعكاسها سلباً على الأوضاع الاقتصادية. وفي الخارج، تعاني كلّ أطراف تركيبة الكيان الصهيوني السياسية من اتجاه واشنطن، على ما يبدو، الى عدم الالتزام بمشاركة «إسرائيل» في عملية عسكرية لتدمير منشآت إيران النووية والصناعية الحيوية. ذلك كله يُشعر المسؤولين كما المستوطنين الإسرائيليين بأنّ زمن التفوّق العسكري «الإسرائيلي» قد ولىّ وأنّ على سكان الكيان أن يتدبّروا أمورهم وحدهم في مواجهة أصحاب الوطن السليب وأعداء عرب تتعاظم قوتهم العسكرية كما تصميمهم على استعادة الأراضي المحتلة والحقوق المغتصبة.

في حمأة هذه الصراعات الإقليمية المحتدمة يبدو انّ زمن المرحلة الانتقالية سيطول، وأنّ انتهاءها سيبقى رهن انتهاء اللاعبين، كبارهم وصغارهم، من عملية استراتيجية شديدة التعقيد عنوانها إعادة رسم خريطة سياسية جديدة لمنطقة غرب آسيا، سلماً او حرباً…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى