أولى

الأزمة اليمنيّة «وازدواجيّة» الفشل في مواجهة المقاومة…

 د. جمال زهران*

دخلت الأزمة اليمنية منعطفاً خطيراً، لا بدّ أن يسهم في إنهائها تماماً، بوضع حلول عاجلة لاحتواء الموقف في الإقليم، تفادياً لتداعيات سيدفع الجميع ثمنها.

فالحادث الآن، أنّ العدوان «السعودي الإماراتي»، غير المبرر، على اليمن منذ عام 2015، أوشكَ على استكمال العام السابع، كانت من جرائه خسائر ضخمة على كافة الأصعدة وكافة الأطراف. حيث أصرّ محمد بن سلمان على خيار القوة المفرطة والبشعة في ممارساته الداخلية والخارجية كسبيل لهيبته، وتدشيناً لشغل منصب «الملك»، بعد رحيل والده، وبعد التخلص من كلّ منافسيه في الحصول على هذا المنصب، وأطاح بهم بضربات متتالية.

وبغضّ النظر عن نجاحه في ذلك من عدمه، فذلك له حديث آخر، فإنه قد فضل خيار القوة لتحقيق طموحاته الشخصية وأحلامه في الزعامة!!

وكان في مقدّمة هذه الخيارات، إعلان الحرب على اليمن، تحت أوهام التخلص من «الحوثيين»، وبالتالي التخلص من النفوذ الإيراني، ولذلك فضّل بن سلمان، تسمية الحرب الخاطفة على اليمن وعلى الحوثيين، بعاصفة «الحزم والحسم»! و«أقنع» الإدارة الأميركية بأنّ المسألة مجرد «نزهة»، والحسم خلال ساعات! إلا أنّ الحرب لا تزال مستمرة وتوشك على نهاية العام السابع، وربما دخلت العام الثامن!! وقد أفصحت الأحداث والتطورات، عن أنّ الحرب العدوانية من جانب كلّ من السعودية والإمارات، التي تمّ توريط عدد من الدول فيها، قد استمرت سبعة أعوام، وصلت تكلفتها ونفقاتها حسبما نشرته مجلة فورين أفيرز بإجمالي أكثر من (500) مليار دولار، بواقع (200) مليون دولار يومياً! ولا يزال النزيف الدولاري مستمراً! ومن ظاهر المشهد بأنّ موازين القوى، ليست في صالح اليمنيين بقيادة فصيل الحوثيين! ولكن من قال إنّ نظرية توازن القوى تصلح لتفسير المقاومة؟! فموازين القوى تصلح بين الدول المتناظرة والمتكافئة.

فالمقاومة تستطيع مواجهة العدو بكلّ قدراته العسكرية، لتوافر عنصر الإرادة، وأهداف النصر والتحرير والاستقلال. وتؤكد التجارب القديمة والحديثة ذلك. فهل كانت موازين القوى صالحة لتفسير المقاومة في فيتنام، وفي جنوب أفريقيا، وفي الجزائر، وفي سائر الدول التي سعت إلى الاستقلال والتحرّر من الاستعمار؟ فضلاً عن أنّ موازين القوى غير صالحة لتفسير المقاومة للكيان الصهيونيّ الذي يمتلك أحدث أنواع الأسلحة في العالم وأقواها، ومع ذلك يصرخ عند أول مواجهة مع المقاومة الفلسطينيّة وآخرها معارك معركة القدس!! وأيضاً ما أنجزه حزب الله في مواجهة الكيان الصهيونيّ وإجباره على الرحيل من جنوب لبنان، وتحريره بالقوة عام 2000، فضلاً عن المواجهة الكبرى عام 2006. فهل كانت موازين القوى في صالح حزب الله، حتى ينتصر؟! ولكنها الإرادة والاستعداد المحدود، وحسن توظيف القدرات العسكرية المتاحة، وجرّ العدو إلى حرب العصابات، التي تستنزفه حتى إجباره على الركوع والاستسلام.

وكذلك الأمر في العراق… حيث المقاومة المستمرة ضدّ الوجود الأميركي العسكري!! وينسحب ذلك على الوضع في اليمن، حيث تمكنت الجيش واللجان الشعبية في اليمن تحت قيادة الحوثيين، من صدّ الهجمات السعودية والإماراتية المدعومة أميركياً وصهيونياً، وبعض من جيوش عدة دول متورّطة في الحرب، وفي مقدّمتها القوات السودانية، وتمكّنت القوات اليمنية من تحرير أجزاء كبيرة من مأرب، والجنوب في عدن والسيطرة على بعض القواعد والموانئ إلخ…

بل وصلت قوة الجيش اليمني المحدود، في قدراته التسليحية، إلى السيطرة على بعض السفن الإماراتية وغيرها، والمليئة بالأسلحة، ولا تزال في حوزتهم، بالإضافة إلى الأسرى بلا حدود لديهم من القوات المعتدية على اليمن، لتستمرّ فكرة المقاومة للأعداء والقوى الأجنبية التي تعتدي على شعب اليمن، تخريباً وتدميراً وقتلاً جماعياً وإصابات بلا حدود، وعدم وجود المستشفيات للعلاج، وعدم انتظام العملية التعليمية، وهجرة الكثيرين من أبناء الشعب للبلاد المجاورة، وتشتيت الأسر والعائلات!!

وفوق هذا وذاك، لم يكتف الجيش اليمني واللجان الشعبية بقيادة الحوثيين، بالمقاومة والصمود وصدّ الهجمات، بل انطلق نحو تطوير قدراته العسكرية رغم محدوديتها، وذلك بصناعة الصواريخ، والطائرات المسيّرة، واستخدامها لتوجيه الضربات الهجومية ضدّ أهداف عسكرية ومنشآت عامة في أبو ظبي ودبي بدولة الإمارات، وفي الرياض وجدة ونجران وجزان، في السعودية، الأمر الذي أنتج خسائر ضخمة لدى الدولتين، وتداعيات حالية ومستقبلية على الاقتصاد في الدولتين، وخاصة مجال السياحة والبترول. وتحققت بالتالي معادلة توازن القوى في المجابهة من مجرد الصمود إلى الهجوم وفي قلب العمق في الدولتين. ومن المؤكد أنه في حال استمرار ذلك، فإنّ اقتصاد الدولتين سوف يدخل إلى مرحلة الانهيار، نتيجة افتقاد الأمان والاستقرار!

والغريب في هذا الشأن، هو منطق الازدواجية الذي يعيشه الإقليم والنظام العالمي. فبمجرد ضرب الحوثيين لـ أبو ظبي ودبي، وكذلك ضرب الرياض، يسارع البعض من دول الإقليم، إلى إدانة هذه الضربات، والمطالبة بإدراج الحوثيين ضمن جماعات الإرهاب! في الوقت ذاته فإنّ الدولتين (السعودية والإمارات)، تدمّر اليمن وتقتل شعبها، منذ سبع سنوات، وليست هناك إدانة أو حتى شجب أيّ رفض! تلك هي الازدواجية الإقليمية والعالمية، المنبوذة، والمداهنة لأصحاب المال على حساب الشعوب المستضعفة!! فكيف لا يُدان العدوان ومن قاموا به؟! وكيف يُدان من يدافع عن أرضه وعرضه وشرفه؟! تلك هي المأساة التي نعيشها هذه الأيام!!

وقد أثبت اليمنيون وجيشهم الوطني وأنصار الله، قدرتهم على الصمود طوال سبع سنوات مقاومة، وقدرتهم على تطوير عتادهم العسكري وإتقان عمليات التصويت نتيجة التدريب المستمر، حتى استطاعوا تطوير استراتيجية الهجوم. ورداً على هجمات اليمنيين على المعتدين، قامت القوات العدوانيّة بشنّ هجمات مباشرة ضدّ الشعب اليمني وقتل وإصابة نحو (400) شخص، ولم نجد مَن يدين هذا العدوان البربريّ! لا جامعة عربية، ولا أمم متحدة، ولا عدم انحياز، ولا منظمة التعاون الإسلامي! إنها «البربرية الجديد»!

وإذا ما لم تتمّ المسارعة إلى حلّ الأزمة اليمنية، فإنّ الهجمات اليمنية ستزداد، والاضطرابات في الإقليم سيتسع مداها، وتوقع انهيارات اقتصادية ضخمة في الإقليم وفي العالم.

فقد فشلت الدولتان (السعودية والإمارات) في الهجوم والعدوان على اليمن وشعبه، ونجحت المقاومة اليمنية في الصمود بل والمبادرة بالهجوم، لتفرض واقعاً جديداً، سنشهد نتائجه قريباً جداً وخلال العام 2022، بإذن الله، وقد تأكد بالتالي شيوع انهيار «ازدواجية الفشل».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى