مقالات وآراء

تصريحٌ بالتّطرّف

} شوقي عواضة

عبر التّاريخ دأب الاستعمار الغربيّ في لحظة هزيمته العسكريّة إلى تفتيت المجتمعات وتضليلها وتفريغها وتدميرها من الدّاخل، تلك كانت وسيلةً من وسائل المواجهة مع العدوّ والمحتلّ الذي لم تقتصر المواجهة معه طوال سنوات الصّراع على الجانب العسكريّ بل اتخذت أشكالاً ووجوهاً متعدّدةً… منها العسكريّة والأمنيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة والإعلاميّة والأخلاقيّة. ومع نجاح ثورة الاتصالات تبدّلت أدوات المواجهة وتطوّرت وتفنّدت ضمن اختصاصاتٍ طالت جميع طبقات المجتمع متّخذةً عناوينَ مختلفةً منها ما كان تحت عنوان الحريّة والتّعبير، وأخرى باسم الدّيموقراطيّة والتّغيير، (الربيع العربي نموذجاً) ومنها باسم المنظمات المدنيّة  (NGOS)وغيرها من الأسماء التي يكمن في مضمونها السّمّ في العسل.

والشّواهد التّاريخيّة والمعاصرة على ذلك كثيرةٌ آخرها كان صناعة الإرهاب عبر داعش وتقديم الإسلام بصورةٍ إرهابيّةٍ قاتلةٍ مع أنّ الدّين الإسلاميّ دين تسامحٍ وسموٍّ وحقٍّ.

وبالرّغم من ذلك اجتهدت تلك القوى ولا تزال في العمل على غزو المجتمعات العربية والإسلامية وتحريف مساراتها وسلوكيّاتها مهما تنوّعت دياناتها واختلفت مذاهبها السّياسيّة والدّينيّة.

ثمّة ثوابتُ ثلاثةٌ يعمل الغزوّ الغربيّ عليها منذ القدم ولا يزال حتى السّاعة مطوّراً أدواته مستعيناً بوكلائه مسخّراً كلّ شيءٍ لتحقيق الهدف. تلك الثّوابت التي لا يختلف عليها عاقلان هي العلم والدّين والمرأة، عناوينُ كبيرةٌ سخّر لأجلها المال والإعلام صيغت بعناوين اتفاقيّاتٍ (حقوقيّةٍ وأمميّةٍ) حتّى باتت تطغى على قوانين الدّيانات السّماويّة. من تلك الاتفاقيّات اتفاقية «سيداو» أو «الدّين الجديد» والتي جاءت تحت عنوان المساواة بين المرأة والرّجل، وهو ما كرّسته الأديان والشّرائع السّماويّة للمرأة قبل أن تولد الأمم المتحدة وغيرها من المنظّمات التي تدور في الفلك الأميركي والصّهيوني وتلتزم منهجيتها. فتستبيح مجتمعاتنا باسم الحريّة وتمعن فتكاً في اغتيال القيم الأخلاقيّة بحجّة التّغيير وتبثّ الفتن المذهبيّة والعشائريّة والعائلية والعرقية وتطرح الخلافات وتثيرها من باب الحوار والغاية منها الـتأزيم والوصول بالمجتمع إلى الهاوية.

بعض الشّاشات والقنوات في لبنان أصبحت منبراً رسمياّ للشّياطين التي تنظّر باسم الحريّة وتقدّم لنا المثليين والشّاذّين جنسيّاً على أنّهم حالةٌ إنسانيّةٌ يجب التّضامن معها لنيل حقوقها في الزّواج المثلي، وإذا ما رفضنا ذلك لن نكون إلّا عنفييّن وإرهابيين ومناهضين لحقوق الإنسان.

في اتفاقية «سيداو» تقدم خيانة المرأة لزوجها كحقّ من حقوقها المكتسبة ويُباح لها الإجهاض متى تشاء، وفي اتفاقية «سيداو» يحق للأبناء التمرّد على أهلهم، باسم حقوق الإنسان، ويُباح زواج المثليّين من الجنسين وحريات مشيطنة تريد فرضها على مجتمعاتنا! اتفاقيّة لا يمكن اعتبارها إلّا اتفاقية لشيطنة مجتمعاتنا ونسف أخلاقها وقيمها ومبادئها.

وما يُعرض اليوم على بعض الشّاشات من برامج تحت عناوين مختلفة من «لهو وتسلية وتثقيف»، ما هو إلّا غزو أخلاقي وثقافي لا يقلّ خطورةً عن الغزو والحصار الذي يمارسه العدوّ الصهيوني والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة.

هذا غيضٌ من فيضٍ في ظلّ غياب الرّقابة الإعلاميّة والقانونيّة، حيث تتمادى تلك الفضائيّات في انتهاك الأخلاق وتسفيه القيم والأديان في بلد عرف بالتّنوع والتّسامح. وما يجري اليوم ليس حرية تعبير ولا عمليّة ديموقراطيّة ولا حريّة إعلاميّة إنّما هو شيطنة المجتمع بكلّ ما للكلمة من معنى، فالإعلام رسالةٌ نبيلةٌ وليس أداةً لتدمير الوطن. وما يقدّم من كمٍّ من البرامج لا سيّما برنامج فوق 18 الذي تجاوز سقف الخلاف السياسيّ وفاق حدّ السخرية وهتك المقدسات والتسفيه بالقيم وتشجيع الإنحلال الأخلاقي من خلال فقراته ما هو الا التزام متزامن بمنهجية العدوان على لبنان وبمسلكية شيطانية تستهدف كلّ اللبنانيين ضمن منهج يستهدف مسخ المجتمع والوطن بأكمله. لذا من باب الخوف على أولادنا وحماية لمجتمعنا وقيمنا التي تربّينا عليها.. سواء اختلفنا في السّياسة أو اجتمعنا، نربأ بوزير الإعلام والمجلس الوطنيّ للإعلام والمرجعيّات الدّينيّة الإسلاميّة والمسيحيّة والقوى السياسيّة المبادرة لحماية المجتمع من الانحطاط ووضع حدٍّ للمهزلة التي تشبه مهزلة مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسيّة التي دفعت ثمن إساءتها للرّسول بحجة حرّية التعبير…

وتذكّروا أنّ لبنان لا يحتمل شيطنة أولئك المتاجرين بالأوطان الذين يراكمون ثرواتهم على جوع الفقراء والفاسدين الذين يدّعون قيادة ثورة الإصلاح وهم أفسد الناس الناعقين خلف كلّ ناعقٍ أصحاب التّعهّدات من الإعلام المرتزق. وقبل أن تُدينوا التّطرّف حاكموا الشّيطان الذي يُعطي تصريحاً بالتّطرّف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى