حديث الجمعة

عبدالناصر الذي لا يعرفه ساويرس

مزعج نجيب ساويرس عندما يغرد «عبد الناصر بطل النكسة»، لا يا سيدي، عبدالناصر بطل تكالبت عليه الأمم، عبدالناصر عاش بطلًا، ومات زعيمًا، وسيظل في قلوبنا قبل عقولنا بطلًا وزعيمًا، نحن أبناء الفلاحين مَن نعرف مَن هو أبوخالد، ونلقبه بخالد الذكر.

رأيك يخصك نعم، ولكنه جارح، ويزدريه كثير من أولاد الطيبين الكادحين الشقيانين العرقانين، الذين منحتهم ثورة يوليو أملًاً في الحياة، وفتحت الطريق سالكًا ليتحصلوا على حقوقهم المهدرة فى «بلاط الملك»، من قال لهم خالد الذكر جمال عبدالناصر، «ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد».. فرفعوا الرؤوس عاليًا ليبصروا حقهم في الحياة.

عاتب عليك وحزين ومثلي كثير، من تلقى تعليمه بالمجان، وجلس جنبًا إلى جنب مع أولاد الأكابر، كانت في أفواههم ملعقة ذهب، وفي فمي طعم الحياة حلو المذاق، عيش بالأمل، متى كان التعليم لأولاد الفلاحين حقًا؟ متى كان التوظيف لأولاد العمال أملًا؟ متى كان لنا نصيب من الحياة؟ متى كان أجدادنا (نحن) محسوبين كبشر لهم حقوق وعليهم واجبات؟

ومثلي كثير، منهم من تحصل والده على «خمسة أفدنة» بعقد تمليك أخضر، أول مرة فلاح مصري يملك طينًا، قبلها كان شايل الطين، وطين البرك على كعابه المشققة من لفحة أرض الهجير، ويخدم فى الوسية، وزوجته تخدم فى بيوت «أصحاب الطين» خدمة العبد للسيد، كان يزرع وغيره يحصد حبات العرق من على جبينه، أخيرًا أكل والدي مما زرعت يداه، وكفاه «ابن البوسطجى» سؤال اللئيم.

ومثلي كثير، منهم من تحصل والده العليل على معاش، جنيهات تقِمن صلبه، وربى أولاده من حلال، وعاش على سيرة الثورة مخلصًا، إنها ثورة شعب ولا تزال، ويقصّ علينا الجد الطيب ما تيسّر من مرور طيف ناصر على الزراعيّة، كانت الناس تتوق للرؤية، وترفع أكفها سلامًا وتحية، وناصر كالمارد يطل على الكل، تنط من عينيه الفرحة، وهو بين أهله وناسه، بنى وطنه بين الأحباب، يشتمّ رائحة العرق المنسابة على سلسلة الظهور المنحنية في الحقول الخضراء.

ومَن غيري بفخر يترحم على ناصر العزة والكرامة، وكنت نسيًا منسيًا في عزبة قصيّة في مدينة مختفية عن خريطة القطر الكبير، فشب عن الطوق فإذا بناصر يخبره من القبر، يا بني إن التعليم حق لكم كالماء والهواء، وإن المصريين جميعا أمام القانون سواء، وما نيل المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غلابًا.

مَنحني «ابن البوسطجى»، مَنح «ابن الفلاح» جواز مرور إلى العاصمة الكبيرة، وكانت العاصمة ووظائفها حكرًا على أبناء الأعيان، صار «ابن البوسطجى» فينا رمزًا كريمًا، نتقفى أثره في المشوار الصعيب، وصار اسمًا منقوشًا على القلوب في الصدور، وصار بيت شعر مغنى، ويا جمال يا مثال الوطنية.

حمدي رزق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى