حديث الجمعة

التلذذ بمضارع الممنوحات..

خلال عصور وعقود طويلة من تاريخ البشرية، ظلّ البشر يسعون خلف السعادة باستماتة إلّا أن أغلبهم لم يحصل عليها، وكأنّما السعادة شبح نطارده أو محض سراب نركض وراءه دون أدنى سبيل إلى إدراكه وكأنما كلما حاول الشخص الإمساك بالسعادة أصبح الأمر أكثر صعوبة. والغلبة لمن يتعاطى مع البلايا كتمرينات قفز حواجز.

يبدو الأمر جلياً أن هناك قانوناً عاماً يحكم الحياة نفسها. يبدو أنه لا يهم مقدار حاجتك للشيء والسعي خلفه. إذ كثير ما تندثر الأشياء من أيدينا بمجرد أن نلاحقها ونستميت في الحفاظ عليها. فهناك مثل قديم يقول: «من يخشَ فقدان من يحب يخسره لسبب أو لآخر».

مَن يخاف من الخيانة يتعرض لها ومن لا يثق في الناس يكون الناس عند ظنّه تماماً.

بينما تطارد السعادة بحرقة وظمأ شديدين فأنت تعلن دون وعي منك أن هناك شيئاً منقوصاً في حياتك وبأنك تفتقر إلى الوفرة. وهذا الإحساس بالنقص يجد انعكاساً له فيغدو واقعاً ملموساً لأنك أثناء سعيك يكون تركيزك محصوراً في ما لا تملكه لا في ما تملكه. وبالتالي تتسع دائرة الشيء الذي تركز عليه ألا وهو النقص.

أما في الجانب الآخر فنجد على العكس تماماً. الناس الذين يشعرون بالسعادة من الداخل دون حاجة إلى سبب خارجي فأولئك من نشعر بأنهم يجذبون كل ما هو جميل في حياتهم، ذلك لأنهم وببساطة إن بحثوا عن السعادة فهم يبحثون عن مزيد وينطلقون من إحساس بالوفرة لا بالنقص، هم سعداء من الداخل وهذا سيؤدي إلى عدم منعهم من الحصول على المزيد من السعادة مما يجعلهم أفضل الشركاء وأفضل الأصدقاء على الإطلاق.

ويمكن بالتالي تعميم هذه القاعدة على كل شيء حولنا تقريباً إذ لن تنجح في حياتك إذ كنت تنطلق من إحساس بالفشل والكآبة والعوز المادي، لأن هذا الإحساس كفيل بإعاقتك عن التقدّم وبذل الطاقة اللازمة لتحقيق ما تطمح إليه. ولهذا نجد أنه من المهم جداً ألّا تركض خلف السعادة بل أتركها تأتي طواعية وستأتيك بصور وأشكال لا حصر لها.

ينتصر في الحياة من لا يزهد في القيم الجمالية التي تحيط به، فالبعض كلما خذلهم الشتاء بوابل الدمع لإفساد محصولهم، صبروا حتى حصاد موسم ربيع البسمات.

والغلبة لمن يعجز سارق الفرح عن فشل محافظ مباهجه.

فالحكيم ليس بحاجة لمفاجأة ضخمة ليندفع منسوب سعادته لشاهق، بل يعاود شحن طاقته كناقة لا تحتاج سوى لجرة ماء وبعض العشب لتستكمل رحلة الحياة الشاقة.

الحكيم مَن يستشعر منحنى الضياء حال سطوعه لا التحسر عليه بُعيد انقطاع النور.

السعادة مجانيّة تحتاج إلى فطنة، إلى محبة الذات قبل محبة الآخر، إلى الرضا والقناعة أن الآتي أجمل.

صباح برجس العلي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى