نقاط على الحروف

لماذا تستعجل واشنطن الاتفاق الإيرانيّ والترسيم اللبنانيّ؟

 ناصر قنديل

– قد يُوحي الجمع بين العجلة الأميركية في ملفي التفاوض مع إيران، وترسيم حدود لبنان البحرية برابط تفاوضيّ بينهما، وهو غير موجود، إلا في القلق الأميركي من الملفات المتفجّرة في المنطقة، في ظل انسداد خيار الحرب أمامها وأمام “إسرائيل”، وبلوغ خيار العقوبات سقف ما يستطيعه في مواجهة إيران وحزب الله، وصولاً للخوف من أن يؤدي المزيد من الضغط الى تسريع لجوء إيران وحزب الله إلى خيارات جذريّة تغير موازين القوى السياسية والاقتصادية في الإقليم. وفيما تعارض “إسرائيل” العجلة الأميركية في التفاوض مع إيران وصولاً لاتفاق، طالما أنه لن يتضمن التزاماً إيرانياً بوقف أو تخفيض مستوى الإنفاق على برنامجها الصاروخي ومساهمتها بدعم قوى المقاومة، فإنها تبدو مشاركة في القلق مما بات يسمّى خطر سقوط لبنان في حضن حزب الله بدلاً من سقوطه على رأسه، كما كانت الغاية من مشروع إسقاط لبنان قبل أن تكسر جدار الحصار سفن المازوت الإيراني التي جلبها حزب الله بحراً ومرّر حمولتها عبر سورية الى لبنان، فاتحاً الباب لخطوات من خارج العلبة، وفقاً للتوصيف الأميركي، يمكن أن تشتمل لاحقاً على ما هو أخطر، خصوصاً في ملف ثروات النفط والغاز والتلميحات حول جلب شركات إيرانية للتنقيب فيها تضع المنطقة على شفا حرب. بالمقابل تتحفظ السعودية على وجهتي العجلة الأميركية مع إيران وفي لبنان، رغم أنها تدرك بأنها لا تملك إلا التأقلم في نهاية المطاف عبر تسريع مفاوضاتها مع إيران وتوسيع نطاقها لتشمل سورية وتفتح عبرهما نافذة على لبنان، وتل أبيب الحريصة على الحفاظ على خطاب يعاكس الواقع الذي تعرفه جيداً والمخاطر التي تخشاها بالفعل، تضع واشنطن ضمن معادلة ربط التوصل للتفاهم مع إيران بإنهاء ترسيم الحدود مع لبنان لتحويل خط ترسيم حدود النفط والغاز الى خط عازل يبرّد جبهات القتال المفترضة والمقلقة.

– في القراءة الأميركية أن العالم يسارع الخطى نحو تغييرات جذرية كبيرة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، على طرفي الشرق الأوسط الشمالي والشرقي اللذين تمثلهما روسيا والصين، فروسيا تبدو قد حسمت أمرها بفتح ملف استعادة أوروبا الشرقيّة، ولو خطوة خطوة، وتجميد الحركة الروسيّة لفتح باب التفاوض اليوم سيتيح الحصول على أفضل مما قد يتيحه أي تفاوض في الغد. وهذه هي وظيفة التصعيد الأميركي على ضفاف أوكرانيا، لأن سقوط أول حجارة الدومينو الأوروبيّة في الحضن الروسيّ سيعني تلاحق التدحرج، وصولاً لسؤال أوروبي طرح ما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، حول جدوى الانضواء في ظلال حلف الناتو، وجدوى التحالف مع أميركا، وبدء النقاش بخيار أوروبي منفصل عن أميركا يضع مفاهيم مستقلة للأمن الأوروبي ومن ضمنها النظرة للعلاقات بروسيا، ومثل الجبهة الشمالية لآسيا، تبدو الجبهة الشرقيّة التي تمثلها الصين قد ثبتت موقعها كدولة أولى في العالم بنمو اقتصاديّ ثابت، مقابل نمو سلبي ترزح تحته كل دول الغرب، زاده تفاوت التفاعل مع آثار وباء كورونا صعوبة، وحققت الصين إنتاجاً إجمالياً بالأسعار الثابتة وبأصول ثابتة يزيد 50% عمّا حققته أميركا، حيث الناتج الإجمالي الوطني الأميركي 24 تريليون دولار منها عشرة فقط تعود للأصول الثابتة والباقي لحركة دفتريّة يمثلها الاقتصاد الافتراضيّ، بينما في الصين ناتج إجمالي بـ20 تريليون منها 15 لاقتصاد الأصول الثابتة، و5 للاقتصاد الافتراضيّ، وفيما ترزح واشنطن تحت عبء ديون بعشرات التريليونات، تفيض خزائن الصين بالسيولة النقدية، وفيما تتوسّع الصين في آسيا وصولاً نحو البحر المتوسط، تنكفئ أميركا من آسيا وتقاتل على أطراف المتوسط كي لا تجد نفسها خارجه.

– تنظر واشنطن لتصاعد التوتر في جبهات المنطقة، ومحورها القلق من إيران من جهة والقلق على “إسرائيل” من جهة مقابلة، بعد سنوات تمتدّ لعقدين طويلين من الحروب، بصفتها جبهة خاسرة، لا أمل بتعديل الموازين فيها، خصوصاً بعد الحرب الضروس على سورية وما استُخدم فيها، ولأن التوصل لتسويات نهائية لملفات الصراع، يفتح باب البحث بحل القضية الفلسطينية الميؤوس من صياغة مقاربة تتحمّلها “إسرائيل” وترتضيها القوى التي تهدد أمنها، فالمطلوب نزع صواعق التفجير التي قد تفرض على واشنطن التورط في حرب، ولذلك يبدو قرار الانسحاب من العراق وسورية متخذاً مع وقف التنفيذ، وعنوانا الحرب المفترضين وسريعا الاشتعال هما، من جانب، تحول التجاذب الأميركي الإيراني حول الملف النووي إلى سبب للتفجير تخرج واشنطن منه أشد ضعفاً، ويُصاب حلفاؤها وفي مقدّمتهم “إسرائيل” بأضرار جسيمة، وربما وجودية،، ولا توقفه إلا العودة للاتفاق الموقع عام 2015. ومن جانب آخر تحول النزاع على ثروات النفط والغاز بين لبنان و”إسرائيل” إلى مدخل لتسييل التفوق العسكري لحزب الله في مواجهة مع “إسرائيل” تغيّر وجه المنطقة وربما تورط أميركا بالتدخل العسكريّ في حرب لا تريدها، ولا تثق بنتائجها. وبسحب هذين الصاعقين يعتقد صناع القرار في واشنطن أن الطريق تصبح سالكة نحو سحب القوات الأميركية من سورية والعراق، وصولاً لتوظيف التصعيد مع روسيا في فتح الباب لتفاوض يثبت خطوط النفوذ على أطراف أوروبا رغم ما فيه من تنازلات والتزامات حول مستقبل حلف الناتو، ليتم الانكفاء نحو الداخل الأميركي لأنه المكان الوحيد الذي يمكن من خلاله التفرّغ لمواجهة الصين.

– الانتخابات النصفية الأميركية في الخريف، يجب أن تحل وإدارة الرئيس بايدن قد أنجزت الاتفاقات التي تنهي أزمة الملف النووي وترسيم الحدود البحرية للبنان من جهة، ودخلت التفاوض مع روسيا من جهة موازية، ما يتيح للرئيس جو بايدن الإعلان عن التفرغ لمواجهة الصين، وهو يضمن قدراً من الاستقرار والهدوء في المنطقة التي يغادرها مهزوماً، لكن في قالب إنجازات سياسية، ما يتيح الحصول على دعم اللوبي الصهيوني ولوبيات النفط الذي ستنخفض المخاطر عليه، ولوبيات السلاح الذي ستتدفق صفقاته على دول الخليج بمليارات الدولارات تحت شعار المساعدة على ردّ المخاطر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى