أولى

«الرجعيّة العربيّة» وإعاقة التاريخ ومواجهة المقاومة…

 د. جمال زهران*

تُعتبر «الرجعية العربية»، أحد أضلاع مثلث العداء مع الاستقلال الوطني والمقاومة، وذلك وفقاً لرؤية الرئيس جمال عبد الناصر. فقد حدّد ناصر أعداء القومية العربية بما تحمله من مضامين تتحدّد في الوحدة العربية والاستقلال الوطني والمقاومة في الداخل ضدّ الاستغلال وفي الخارج ضد القوى المعادية لهذه القومية العربية، في ثلاث قوى أو أطراف هي: الاستعمار الأجنبي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية (وريثة الاستعمار الأوروبي)، والصهيونية العالمية وربيبتها المتمثلة في الكيان الصهيوني (إسرائيل المزعومة)، والرجعية العربية بقيادة المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي التي تدور في فلكها.

وفي مقولة أخرى لعبد الناصر، ذكر فيها أنّ الرجعية العربية أشدّ خطراً على حاضر الأمة العربية ومستقبلها، من الاستعمار والصهيونية. ويرى أنّ السبب في ذلك هو: أنها من داخلنا فهي أشدّ خطورة، وأنها أداة في أيدي الاستعمار والصهيونية لضرب الفكرة العروبية الوحدوية بل وضرب فكرة القومية، فضلاً عن أنها تقدّم الدعم للاستعمار والصهيونية من مواردها مثل النفط والغاز، بأبخس الأثمان، حيث يستخدم في دعم اقتصادهم، من ناحية، ومن ناحية أخرى يستخدم في تموين الطائرات لضرب الشعب العربي في كلّ بلد على حدة، في فلسطين، لبنان، العراق، سورية، وليبيا، واليمن، وتمويل الإرهاب المصنوع مخابراتياً في أجهزة المخابرات الاستعمارية!!

في هذا السياق، فإنه من الضروري، إدراك خطورة الرجعية العربية. على حركة القومية، ووحدة الشعب العربي. فطالما بقيت هذه الرجعية تدعم وتموّل الاستعمار الأميركي والغربي عموماً، وتدعم الصهيونية، فإنّ حاضر ومستقبل المنطقة أو النظام العربي، في خطر دائم، ويتحرك ببطء إلى الأمام إن لم يكن يتحرك إلى الخلف مشدوداً لعصر ما قبل رحيل الاستعمار.

بعبارة أخرى فإنّ «الرجعية العربية» أضحت لها وظيفة كبرى، تتمثل في توظيف مواردها التي حباها الله سبحانه وتعالى، في دعم الاستعمار والصهيونيّة، من ناحية، ومن ناحية أخرى، إعادة إنتاج الواقع العربي ما قبل الاستقلال الوطني الذي تفجّر بعد الحرب العالمية الثانية، وظهر تأثيره وتداعياته بعد اندلاع ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، بزعامة جمال عبد الناصر، التي ساندت حركة الاستقلال في العالم العربي والعالم الثالث كله (أفريقيا ـ آسيا ـ أميركا اللاتينية). فضلاً عن تخصيص الموارد بمليارات الدولارات لهدم الجيوش العربية، وتفتيت الدول العربية الفاعلة وباعتراف من رموزهم على الملأ.

إذن فنحن أمام نموذج يسمّى «الرجعية العربية»، وهي عبارة عن دولة قائدة، تدور في فلكها عدة دول، تخضع جميعها لسيطرة استعمارية وصهيونية على مواردها وتصرفاتها وصنع القرار فيها. وقد رأينا تبجح «ترامب»، الرئيس السابق للولايات المتحدة، حينما قال: «إذا رفعت يدي عن السعودية تحديداً، فسيسقط النظام الحاكم في أسبوع»، لأنه الحامي لهذا النظام وغيره، ولذلك طالب بنصيب أميركا في موارد النفط السعودية وقدّرها بنحو (500) مليار دولار، وإلا يترك النظام لمصيره والسقوط!! وحدث فعلاً، أن استولى راعي البقر/ ترامب المتغطرس على أموال الشعب السعودي، عبر نظام الحكم الإرثي في السعودية!! أيّ أنّ كلّ شيء لدى الاستعمار له مقابل، وتلك هي المعضلة التي تمّ توظيف الرجعية العربية لحلها!!

ويمكن رصد عدد من التصرفات الصادرة عن «الرجعية العربية»، المعادية للعروبة وتطوّرها، وتقدّمها، والتي تمّ من خلالها تحقيق الهدف الأسمى للاستعمار، وهو إعاقة التطور التاريخي في حقبة ما بعد الاستعمار، في ما يلي:

1 ـ التشارك في تدمير العراق وتفتيته وتدمير جيشه الوطني، وقد سبق لهذه الرجعية وحلفائها دعم العراق في عهد صدام حسين ضد إيران لمدة (8) سنوات، في حرب كان الهدف الأميركي الصهيوني هو هلاك الدولتين. وهذا لا ينفي جريمة صدام حسين حينما ذهب لاحتلال الكويت في 2 آب/ أغسطس 1990، بدون مبرر على الإطلاق.

2 ـ التآمر العمدي، بدعم العدوان الإرهابي والاستعماري الغربي (الأميركي والصهيوني)، على سورية، وتخصيص الموارد لتدمير سورية وإسقاط سورية والرئيس بشار الأسد، بدون مبرّر، إلا خدمة المشروع الأميركي الصهيوني، بتدمير سورية وجيشها الذي وصلت قوته إلى مرتبة تقدّمت على كلّ الدول العربية، وأصبحت تمثل التهديد المباشر للكيان الصهيوني. وقد اعترف رئيس وزراء قطر ووزير الخارجية الأسبق (حمد بن جاسم آل ثاني)، بأنه وبالتنسيق مع السعودية، تمّ تخصيص (138) مليار دولار لتدمير سورية وجيشها، في حديثه الشهير مع محطة «بي بي سي»، على حين أنّ سورية وجيشها كانا في تحالف مع دول الخليج لإخراج صدام وجيشه من الكويت، وتحرير الكويت!

3 ـ عدوان سعودي إماراتي بربري، على اليمن وشعبه ومؤسساته، لتدمير البلد والقتل العمدي للمدنيين، على مدار (7) سنوات من مارس 2015، دون وضع حدّ لذلك العدوان المدعوم أميركياً وصهيونياً!! والغريب أنهم يتباكون على قيام اليمنيين ممثلين في جماعة «أنصار الله»، باستهداف قوى العدوان (السعودية، والإمارات) في داخل أراضيهم وقتل مدنيين وسط تعتيم!! فهل تناسى هؤلاء أنّ «العين بالعين.. والسن بالسن، والبادي أظلم»! والمعلومات المنشورة في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، عن تكاليف هذه الحرب، قد وصلت إلى نحو (500) مليار دولار خلال السنوات السبع، تحمّلتها ميزانيات دولتي السعودية والإمارات الرجعيتين، فلماذا؟! ذلك هو السؤال الذي لم يُجَب عليه، ولن يجاب!

4 ـ تسابق دول الرجعية العربية ممثلة في دولتي الإمارات والبحرين، بدعم وغطاء السعودية (قائدة الرجعية العربية)، على إقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني وكسب رضاه، كسباً للدعم الأميركي لهذه النظم الوراثية، واستمرارها. والأكثر فداحة هو ذلك الدعم الاقتصادي المخصص من الإمارات، للكيان الصهيوني عبر استثمارات تصل إلى (10) مليارات دولار! واستقبل الرئيس «الإسرائيلي» في أبو ظبي ودبي، بكلّ أسف، بينما استقبل وزير دفاعه في البحرين!! والمسجل أنّ طائرة كلّ منهما عبرت الأجواء السعودية بشكل رسمي…

أليس في هذا ضياع للقضية الفلسطينية، ودعم للكيان الصهيوني وإطالة عمره بعد أن كان مرشحاً للانهيار من الداخل عبر أزماته المركبة!! ونتساءل ألم يكفِ ما فعلته مصر منذ عهد السادات واتفاقيتي كامب ديفيد والاتفاقية المصرية الإسرائيلية عام 1979، وأصبحت مصر مقيّدة في حركتها منذ ذلك الوقت؟!

إنّ في الجعبة الكثير لكي يُقال، ولعلّ المثل الأكثر فجوراً، هو ذلك التكتل الرجعي ضدّ لبنان حالياً، وغير ذلك سبق أن أوضحناه في مقالات سابقة.

ولكي يتضح أنّ ما تفعله الرجعية العربية في الإقليم العربي، من الستينيات وحتى الآن على وجه التحديد، كان بمثابة حواجز إعاقة للتطور التاريخي الإيجابي لحقبة الاستقلال الوطني، الذي لو تمّ تطوّره طبيعياً على نهج عبد الناصر وزعماء المنطقة الحقيقيين. شركاء نضال ناصر، لكانت المنطقة العربية في وضع آخر، وربما كان الكيان الصهيوني خارج التاريخ مع الاستعمار المساند له، وربما كانت فلسطين حرة أبية من النهر للبحر. ولذلك فإنّ هذه الإعاقة التاريخية تقع على مسؤولية الرجعية العربية، التي خصّصت ما تملكه من موارد لتدمير المنطقة العربية وإجهاض أحلام الشعب العربي، في وحدته وعروبته، حتى أصبحت «خصماً» وليست شريكة في ذلك، الأمر الذي يستحقّ معه مواجهة حاسمة مع هذه الرجعية العربية، قد تكون قريبة وليست ببعيدة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى