الوطن

مخاطر إسقاط الخط 29… «هوف+» وخسارة 1430 كلم مربع وتجميد «بلوك 8» مصادر بعبدا لـ «البناء»: حقوق لبنان مقدّسة ولن نفرّط بها والتفاوض لم ينتهِ

} محمد حمية

بعد مفاوضات استمرت عشر سنوات تمّ في نهايتها العام الماضي الإعلان عن «اتفاق الإطار»، الذي بدأت بعده المفاوضات الغير المباشرة بين الوفدين اللبناني و»الإسرائيلي» في الناقورة، في ملف ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، انتهت جولة التفاوض الأخيرة بانسحاب الوفد «الإسرائيلي» بسبب تمسك الوفد اللبناني بالخط 29 الذي يوسّع المنطقة المتنازع عليها ويمنح لبنان هامشاً أكبر للمناورة لحماية حدوده وثروته الوطنية وتوقفت بعدها المفاوضات.

حتى ذلك الحين كان الوضع طبيعياً إلى أن وصل المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين الى بيروت منذ أسبوع، تبدّلت المعادلة وأُسقِط الخط 29 وبدأ التداول بالخط 23، ما يعني عودة المفاوضات الى المربع الأول. وما يحمله من مخاطر خسارة لبنان مساحة 1430 كلم مربع والعودة إلى خط هوف وتجميد استثمار «بلوك 8».

في المقابل تؤكد مصادر بعبدا لـ «البناء» أنّ «رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لن يفرّط بالحقوق اللبنانية ولن يقبل التنازل الى ما دون الخط 23 وأن التفاوض لم ينتهِ بعد».

لكن بحسب المعلومات فإنّ هوكشتاين عرض في زيارته الأخيرة تنازل لبنان عن الخط 29 مقابل إسقاط خط فريدريك هوف وبدء التفاوض على المساحة الواقعة بين الخطين هوف و23.

التسرّع بالإعلان عن الخط 23 من دون تنازل مقابل ومتزامن من قبل «إسرائيل»، دفع برئيس الوفد التفاوضي في ملف الترسيم العميد الركن المتقاعد بسام ياسين للظهور الإعلامي المباشر للمرة الأولى، محذراً من المخاطر الكبيرة لهذا التنازل في وقت كان موقف الوفد العسكري في الناقورة صلباً ويحقق تقدّماً في إظهار حقوق لبنان بالأدلة العلمية والقانونية تمهيداً لتثبيتها داخلياً وتشريعها أممياً عبر تعديل مرسوم تعديل الحدود البحرية 6433.

الاطلالة الإعلامية للعميد ياسين أحدثت صدمة لدى الأوساط السياسية والشعبية، لِما حملته من معطيات ووقائع أماطت اللثام عن خفايا الملف وسلطت الأضواء على بعض الثغرات والخلل في الموقف اللبناني الرسمي، وذلك بعدما نُقِل عن رئيس الجمهورية كلام مفاده أنّ الخط 29 هو في الأساس خط تفاوض وليس حدود ولا أساس قانونياً له وأنّ الخط الحدودي هو الـ 23.

قانونية الخط 29

مصادر الوفد اللبناني المفاوض توضح لـ «البناء» أنّ أيّ خط ترسيم يجب أن يملك نقطة البدء وقاعدة ترسيم:

*في الخط 29 نقطة البدء هي رأس الناقورة، أيّ آخر نقطة على الشاطئ، وهذا الأمر بقي محلّ خلاف حتى نهاية المفاوضات الأخيرة.. النقطة «بـ1» واضحة المعالم وتحاول «إسرائيل» التنصّل منها.

*قاعدة الترسيم: جرى الاتفاق بين الوفدين خلال المفاوضات على أن تكون القاعدة هي خط الوسط ـ ظروف خاصة، يعني الانطلاق من رأس الناقورة يرسم الخط 29. ولا اعتبار للظروف الخاصة في هذه الحالة كون صخرة «تيخليت» لا قيمة لها، وجاء حكم محكمة العدل الدولية في النزاع بين (الصومال وكينيا) ليعزز موقف الوفد اللبناني ويشكل سابقة لمصلحة لبنان.

فالإعلان اللبناني التنازل عن الخط 29، لم يقابله إعلان مقابل من «إسرائيل» بالتزامها حق لبنان في المساحة المتنازع عليها ضمن الخط 23، أيّ 860 كلم مربع، ما سيفتح شهيتها على قضم المزيد من المكاسب عبر المناورة خلال المفاوضات المقبلة، وتحديداً الرهان على البدء بالمفاوضات من الخط 23 نزولاً لدفع لبنان للقبول بخط هوف.

ماذا لو فشلت المفاوضات؟

توضح مصادر الوفد أنّ «هوكشتاين حصر المساحة المتنازع عليها بين الخطين 1 و23 ومنح «إسرائيل» تأثير صخرة «تيخليت» بنسبة 90 في المئة». وبرأي المصادر «لا زلنا في مرحلة الحديث عن تسوية غير مضمونة النتائج بادر اليها الطرف اللبناني من دون أي مبادرة مقابلة من الإسرائيلي».

ويكمن الخطر في أنّ «إسرائيل» ستعتبر الخط 23 خطاً تفاوضياً، وبالتالي من غير السهل التنازل تحت هذا الخط.

واللافت أنه وبعد إعلان رئيس الجمهورية عن الخط 23، أعلنت شركة التنقيب عن الغاز «أنرجي» في المنطقة الاقتصادية الواقعة ضمن المساحة المتنازع عليها والراسية في سنغافورة أنها ستعود إلى «إسرائيل» للبدء بالتنقيب بعدما قرّرت الشركة المغادرة لخشيتها من حصول نزاع في المنطقة، ما يؤشر إلى شعور «إسرائيلي» بالطمأنينة للعمل بتلك المنطقة.

ولا تلغي المصادر إمكانية التوصل الى حلّ وسط في نهاية المفاوضات، لكن هناك أصولاً وحدوداً لذلك. فالوفد التفاوضي اللبناني تمسك بالخط 29 للحفاظ عليه، وفي حال تعذر ذلك، كان بإمكانه تحصيل أكبر مساحة ممكنة بين الخطين 23 و29، لكن إسقاط الخط 29 واعتبار الخط 23 على أنه نقطة جولة التفاوض الجديدة، سيمكّن «إسرائيل» من كسب بلوك رقم 9 وصولا الى البلوك 8 الواقع بين الخط 1 والخط 23. وتنقلب المعادلة من «كاريش» مقابل «قانا»، الى احتفاظ «إسرائيل» بـ «كاريش» وسطوها على «قانا».

زيارة هوكشتاين غيرت المعادلة

باستثناء الرئيس سعد الحريري، فإنّ جميع المكونات والأحزاب السياسية أيدوا الوفد العسكري والخط 29.. فلماذا انقلبت الآية خلال 48 ساعة؟ وما علاقة زيارة الموفد الأميركي والحديث عن ضغوط مارسها على بعض القوى السياسية؟

وفيما أرسلت رئاسة الجمهورية رسالة الى الأمم المتحدة تتضمّن التمسك بالخط 29 عشية زيارة هوكشتاين، عادت بعد يومين للحديث عن الخط 23. الاستمرار بهذا المسار التفاوضي سيحرم لبنان مساحة 1430 كلم مربع، والعودة إلى خط هوف أو هو هوف + كحدّ أقصى. لذلك كان الأفضل تعديل المرسوم والذهاب للمفاوضات وتثبيت الخط 29 قانونياً ثم التنازل ضمن حدود معقولة بما يضمن مصالح لبنان.

وكشفت مصادر «البناء» عن اجتماع حصل بين رئيس الجمهورية والوفد العسكري المفاوض في بعبدا قبل انطلاق مفاوضات الناقورة، تمّ الاتفاق خلاله على سقف وخطين حمر للتفاوض: رفض التفاوض المباشر الذي سعت إليه السفارة الأميركية في بيروت قبل انطلاق المفاوضات.

والثاني: عدم حصر النقاش في مساحة 860 كلم. وتكشف المصادر أنّ كلّ الهدف الأميركي الإسرائيلي خلال المفاوضات، كان حشر الوفد اللبناني بالتفاوض ضمن مساحة 860 كلم مربع فقط لكن لم يتحقق ذلك، إذ كان رئيس الوفد اللبناني يجيب الوسيط الأميركي السفير جون ديروشيه: «لن أتراجع قبل تراجع الإسرائيلي». كما اضطر الوفد اللبناني في جلسات التفاوض للتهديد أكثر من مرة بأنّ لبنان سيدافع عن كامل ثروته.

عون لن يتنازل عن حقوق لبنان

في المقابل تجزم أوساط مطلعة على موقف رئيس الجمهورية في ملف الترسيم لـ»البناء» بأنّ «عون لن يتنازل عن الحقوق اللبنانية»، وتوضح أننا «لا نتحدث عن تنازل في السيادة، بل مفاوضات على المنطقة الاقتصادية». وعبّرت المصادر عن تفاؤلها للمرة الأولى بقرب التوصل الى اتفاق في ملف الترسيم بالتوازي مع المفاوضات في المنطقة.

هل هناك إمكانية للتراجع وتصحيح الخطأ؟

من خلال توضيح رئاسة الجمهورية بأنّ لبنان لم يتخلَ عن الخط 29 ولن يقبل بأقلّ من الخط 23 وبالتالي إعادة قواعد اللعبة الى حلبة النزاع بين الخطين 23 و29 بانتظار الحل النهائي.

ثروة الغاز مقابل ترسيم الحدود؟

هل جرى ربط استخراج ثروة لبنان الغازية والنفطية بحلّ ملف ترسيم الحدود؟ تكشف مصادر «البناء» عن تهديد تلقته الشركة الفرنسية (توتال) التي نقبت في البلوك 4 مقابل البترون، دفعها لتعليق أعمال الحفر والإعلان عدم وجود النفط والغاز، ما يخفي قراراً خارجياً وأميركياً بتعطيل عملية التنقيب عن النفط في جميع «البلوكات» اللبنانية، قبل إنهاء المفاوضات مع «إسرائيل» وضمان استثمارها للمساحة الاقتصادية التي تريدها.

ويحتوي البلوك 9 على ثروة هائلة من النفط والغاز بعد اكتشاف ثروة هائلة في البلوكات المقابلة في فلسطين المحتلة «كاريش» و»تنين» و»تامار» الذي لا يبعد كثيراً عن الحدود البحرية اللبنانية، ويحوي قرابة 20 ألف مليار قدم مكعب من الغاز»، ما يعني وجود ثروة مماثلة في المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية كونها منطقة جيولوجية واحدة مع فلسطين المحتلة. ويستبعد خبراء عسكريون حصول نزاع على هذه البلوكات كون «إسرائيل» لزمت شركات النفط بمئات مليارات الدولارات ولا تحتمل حصول حرب…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى