حديث الجمعة

الذات والآخر

يأتي الشعراء والرسامون يجوبون الطرقات يجمعون ما تساقط من أشلائنا، ويصلون شرايينا المهتوكة بشريان الحياة. فتدبّ فينا الروح ونحيا. الشعر خصيم الموت والدمار، والرسم والنحت انعكاس لرسم الواقع كما نتمنى ونحلم أن يكون. لولا الفنون ما عاشت مصر آلاف السنين بين غزاة وطُغاة وطامعين لم يتعلّموا حبّها! وإن أغرقوا في شهوة استلاب ثرواتها وتاريخها. لولا الشعر ما هزم العراق الموت الذي تربّص به عقوداً إثر عقود. بوابة عشتار البابلية، وجلجامش السومرية التي حفر على أرضها حمورابي شريعته منذ سبعة وثلاثين قرناً على جدار مسلّة يحتضنها الآن متحف برلين! مثلما يحتضن رأس نفرتيتي! ذاك أنّ الألمان، من أسف، تعلّموا كيف يحفظون كنوزنا ويحبونها أكثر ممّا تعلّمنا! التاريخ العربي يرقد هناك عندهم. أرقى حضارات الأرض وأعرقها يملكون نسختها الأصلية!! الآن وصلنا إلى الحلقة الأكثر ضعفاً وهي آثار بلادنا سورية ترى أين سنجدها بعد انتهاء الحرب؟؟

 في متحف اللوفر في باريس لكون فرنسا كانت الحليف الأكبر ضدنا في هذه الحرب الشعواء؟ أم في متاحف الألمان الذين اكتشفوا أهمية هذه الآثار ورحلّوا الكثير منها إلى متاحفهم؟؟

حسب تقرير نشرته وكالة (Sputnik) العربية جاء فيه: تمّت سرقة أكثر من 25 ألف قطعة أثرية من سورية هُرّبت إلى تركيا والأردن. منها ما تمّ التنقيب عنه بطرق غير مشروعة، ومنها ما سرق من المتاحف والمدن الأثرية مثل تدمر وأوغاريت وغيرها. وقد تمّ استرجاع أكثر من 20 لوحة فسيفسائيّة لمعلولا… أليس الإنسان الذي يقطن هذه الأرض والمتمسك بها حدّ الموت أحق بآثارها وممتلكاتها؟؟

قلعة الحصن أو كما عرفت في القديم بقلعة الأكراد عانى أهلها ويلات الحرب والآن يأتي المتسولون والمرتزقة وينهبون آثارها ويبيعونها لدول الغرب مقابل أبخس الأثمان.. وقِس على غيرها من المدن الأثرية…

سأختم المقال بكلام جميل للسيّاب: (إنّي لأعجبُ كيف أن يخون الخائنون.. أيخون الإنسان بلده.. إن خان معنى أن يكونْ.. فكيف يمكن أن يكونْ؟)… بلاد كهذه البلاد الجميلة والتي نزلت بها أقدم الشرائع ومهد الحضارات والديانات السماوية لا بدّ أن نبادلها الحب والاهتمام وألّا نخون… فنحن لسنا من لاعني الظلام، نحن ممن يوقدون الشموع ويتلون ما حفظوا من الكتب السماويّة ويضحّون بأبنائهم كرمى ترابك يا سورية…

صباح برجس العلي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى