نقاط على الحروف

حرب عالميّة ثالثة؟!

 ناصر قنديل

– لم يعد مشهد المواجهة الدولية المندلع حول أوكرانيا الى المزيد ليكون حرباً عالمية ثالثة، خصوصاً مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الهواء طلبه من قادته العسكريين تفعيل أسلحة الردع الاستراتيجي بما فيها السلاح النووي، حتى لو كان شبه مستحيل بلوغ المواجهة حد استخدام السلاح النووي، فإن مجرد ذكره كفرضيّة كافٍ للإشارة على حجم المواجهة الدائرة، واذا كان تعريف الحرب العالمية مشروطاً بتموضع القوى العالمية العظمى قبالة بعضها في مواجهة تسمّيها مصيرية ووجودية وتستنفر فيها كل أوراق قوتها، طلباً لفوز كامل وسعياً لفرض خسارة كاملة على الخصم، فيكفي رؤية أميركا ومعها أوروبا وحلف الأطلسي في ضفة، وروسيا في ضفة مقابلة، وسماع الرئيس الروسي يتحدّث عن تفعيل السلاح النووي، واعتبار أمن روسيا مهدداً، مقابل إعلان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أن إخراج روسيا من نظام السويفت العالمي هو بمثابة استخدام للسلاح النووي للعصر الجديد.

– الواضح أن الصراع لا يدور على حدود جغرافية وتوازنات إتنية وعرقية داخلية في أوكرانيا، وفقاً لمضمون السردية الأوكرانية، فروسيا ذات المساحة المترامية الأطراف والمليئة بالثروات لا تحتاج لأطماع في الأراضي الأوكرانية، كيف إذا أخذنا بالاعتبار ان موسكو نجحت بضم شبه جزيرة القرم ذات القيمة الاستراتيجية العالية من أراضي أوكرانيا نظراً لإطلالتها على البحر الأسود، وليست بحاجة لتحرّش يعيد وضعها تحت الأضواء. وروسيا التي تجني ثمار التراجع الأميركي السياسي والعسكري، والتفكك في العلاقات الأميركية الأوروبية بنتيجة ذلك، كما أظهر الانسحاب الأميركي من أفغانستان، لا تحتاج الا للاستثمار على فعل الزمن، وهي ترى كيف أن علاقاتها الاقتصادية بدول أوروبية وازنة كألمانيا تتقدم على حساب تموضع مطلوب من ألمانيا أميركياً بعيداً عن روسيا، وقد أظهر النقاش الأميركي الألماني حول أنبوب السيل الشمالي ذلك بوضوح، ويكفي روسيا أن توظف هذه التحوّلات، في تعزيز مكانتها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، وهي تبني مع الصين شراكة استراتيجية متعددة المجالات، وترى حليفتها ايران تتنزع الاعتراف بمكانتها وحضورها في عمق آسيا.

– الأكيد أن الحرب كانت خياراً صعباً ومؤلماً اضطر الرئيس الروسي لاعتماده بعدما تم وضعه بين خيارات صعبة. فواشنطن التي تدرك ان الزمن يلعب لصالح روسيا، والتي ادركت أن التلاعب في مناطق الفراغ في العلاقات الروسية الصينية ما عاد ممكناً، قررت تحريك السكين في الجرح الأوكراني، وتسريع وتيرة التحرك نحو ضمّ أوكرانيا لحلف الناتو، وتشجيع حكومة كييف على حسم الخلاف مع الأقاليم الشرقية بالقوة، وترك موسكو تختار بين قبول أمر واقع ينشئ على حدودها دولة أطلسية تمتلك سلاحاً نووياً، وجيشاً قوياً وتفتح معها حرباً تحت عنوان استعادة شبه جزيرة القرم، أو تذهب هي للحرب بعدما وضعت الغرب بين خياري التعهد بعدم ضم أوكرانيا للحلف أو الحرب.

– الحرب ليست نزهة، وليست هناك حرب جيدة وحرب سيئة، فالحروب كلها سيئة، وكل حرب تنتهي بوجود جيش أجنبي على أرض أي بلد ستتكفل بمنح من يواجهه صفة المقاومة حتى لو كانت مقاومته مستأجرة من أجنبي آخر، ولحساب غير حساب الوطن الذي كان الحياد أفضل وسيلة لحفظ مصالحه، والذي يبقى السؤال الموجّه لقيادته، ما دامت لن تضمن الانضمام للناتو فلماذا لم تقبل تثبيت عدم الانضمام كضمانة لمنع وقوع الحرب، كتأكيد أن الحرب ترجمة لمصلحة خارجة عن الحسابات الوطنية الأوكرانية، لكن الحرب بويلاتها وبتهجير المدنيين، وما ستجلبه من خراب، تشكل بذاتها نجاحاً أميركياً بامتلاك منصة للتحريض على روسيا وتشويه صورتها واستنهاض شرائح شعبية أوروبية وعالمية ضدها.

– الإجراءات الأميركية والأوروبية تجعل الحرب قضية وجود بالنسبة لروسيا، حيث بات واضحاً للقيادة الروسية ان تشخيصها الذي بني عليه قرار الحرب حول درجة الاستعصاء وصولاً للتصادم كان في مكانه، ولو لم يكن كذلك لما بلغت التعبئة المعادية لروسيا المدى الذي بلغته خلال يومين، فلا مكان للصدفة في صناعة التاريخ. والواضح ان تعبئة المرتزقة والمتطوعين من كل أنحاء العالم للقتال في أوكرانيا وإرسال منظومات السلاح المتطور لمواجهة الجيش الروسي، هو نوع من الحرب العالمية التي نشهد فصولها بعدما شهدنا نوعاً مشابهاً عنها في سورية، كما أنه من الواضح أن القرارات التصعيدية مالياً بوجه روسيا عدا عن كونها نوعاً من البلطجة والسطو على الثورات، وعن إعلان سقوط نظام الاقتصاد الحر، هي حرب كاملة ستجد روسيا نفسها مضطرة في مواجهتها لتسريع التكامل مع الصين ودول البريكس وحلف شنغهاي، لبناء منظومة مالية ومصرفية مستقلة عن الغرب، وصولاً لعالم ثنائي الاستقطاب شرق تقوده روسيا والصين وغرب تقوده أميركا وأوروبا.

– من تداعيات هذه الحرب العالمية أزمة كبرى ستبدأ تداعياتها بالظهور في قطاعي الغذاء والطاقة، حيث حرب أسعار ستلهب الأسواق، وقد تنتهي بإنتاج أوكرانيا شرقية وأوكرانيا غربية تحلان مكان المانيا الشرقية والمانيا الغربية، لكن الأكيد ان اكبر الخاسرين سيكون الشعب الأوكراني الذي ارتضت قيادته جعله وقوداً لحروب الكبار بينما كان الحياد خياراً مثالياً لتجنب الحريق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى