أولى

وفد الخزانة الأميركيّ وحسابات السياسيين؟!

 بشارة مرهج _

عندما سأل وفد الخزانة الأميركية، أثناء زيارته الأخيرة إلى لبنان، وفد المصارف اللبنانية عن حسابات السياسيين متسائلاً عن عدم التشدّد في مراقبتها لا سيما التحويلات إلى الخارج، أكد وفد المصارف أنه “لا يتهاون في هذا الموضوع”، مشيراً إلى أنه لم يعد هناك من نشاط مصرفي أو فتح حسابات جديدة.

فتساءل الوفد الأميركي: “إذن أين يضع السياسيون أموالهم؟”.

ردّ الوفد المصرفي اللبناني: “إنّ الأموال المشبوهة بالفساد السياسي لم يتركها أصحابها في لبنان بل تمّ تحويلها الى الخارج”. إزاء هذا الردّ الذي يفتح الشهية على أسئلة كثيرة، تراجع الوفد الأميركي خطوة وطالب الوفد اللبناني بالتشدّد أكثر في هذا الموضوع وبذل أقصى الجهود لمكافحة الفساد.

في هذا النص الذي تناقلته الصحف ووسائل الإعلام المختلفة اعترف الوفد المصرفي اللبناني أنّ الأموال المشبوهة بالفساد السياسيّ قد تمّ تحويلها إلى الخارج. انه اعتراف مثير للدهشة، ولكن هل بهذه البساطة يمكن الردّ على سؤال حساس طرحته جهة دولية تعتبر نفسها مسؤولة عن العالم؟!

فإذا كانت الأموال المشبوهة بالفساد قد حوّلت من لبنان إلى الخارج فكيف سمحت المصارف بذلك؟ وخاصة انها تفاخر ومعها حاكم البنك المركزي بامتثالها لتعليمات الخزانة الأميركية ووزارة العدل الأميركية؟! مع العلم انّ هذه “التعليمات” تقضي بملاحقة أصحاب الأموال المشبوهة وإبلاغ لجنة الرقابة على المصارف والبنك المركزي عن أيّة حالة مشكوك فيها تمهيداً للتحقيق بشأنها والتثبّت من أمرها، فإذا كانت سليمة أُفرج عنها وإذا كانت ملوثة وُضعت اليد عليها.

أما الأخطر من هذا الاعتراف الموجود والموثق فهو سكوت البنك المركزي عن هذا الكلام الصادر عن الوفد المصرفي وعن الحدث نفسه، إذ كيف سمح المصرف المركزي بتحويل هذه الأموال وكيف سكت عنها في الوقت الذي يشكو فيه القطاع المصرفي من ندرة العملات الصعبة، وفي الوقت الذي يتكبّد فيه اللبنانيون خسائر لا تطاق على صعيد الدواء والغذاء والمدارس جراء السياسة الخرقاء التي أتّبعها كلّ من القطاع العام والقطاع المصرفي على حدّ سواء.

ثم ما كان لافتاً هو ردّ فعل الوفد الأميركي نفسه الذي أبدى في مستهلّ الحوار “حرصه” على سلامة العمليات المصرفية و”حرصه” على معرفة حسابات السياسيين فضلاً، عن استنكاره للتراخي في مراقبتها حتى إذا جاءه الجواب، صاعقاً، بـ “تسللها” إلى الخارج لم يكلف نفسه سؤال المعنيين عن الطريقة التي اعتمدت لتحويلها إلى الخارج، ولم يسأل عمّن قام بذلك وكيف، مع أنّ هذه الأموال مشوبة بعيب الفساد السياسي.

مفهوم، بحسب زعمه، أن يطالب الوفد الأميركي بالتشدّد أكثر في هذا الموضوع طالباً بذل أقصى الجهود لمكافحة الفساد، ولكن ما هو غير مفهوم إحجام الوفد الأميركي عن البحث في الاعتراف الذي أدلى به أصحاب الشأن وقد كان مطروحاً بمختلف عناوينه بدون لبس أو غموض.

إنّ اكتفاء الوفد الأميركي بتوجيه ملاحظات عامة لا مفاعيل مادية لها يثير التساؤل، خاصة أنّ الجهة الأميركية كانت قد اتخذت سابقاً قرارات صارمة بحق مؤسسات مصرفية لبنانية استطاعت رغم العقوبة تسليم الودائع لأصحابها، في حين أنّ المصارف الأخرى التي تقوم بالحوار أتاحت لأصحابها ومدرائها وكبار المساهمين فيها إخراج أموالهم من لبنان ومن ثم وضعت يدها، خلافاً للقانون والدستور، على أموال اللبنانيين والعرب والأجانب الذين وثقوا بالنظام المصرفي اللبناني.

مرة أخرى يثبت الأميركيون قدرتهم على اعتماد المعايير المزدوجة والتغاضي عن مخالفات أصدقائهم حتى لو أدّت هذه المخالفات إلى إفقار وتجويع شعب بأكمله.

*نائب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى