أخيرة

حضارة…

أحد المراسلين في إحدى المحطات الغربية، ويبدو أنه من أصول أوكرانية، فلكنته تدلّ على ذلك، قال، إنّ هؤلاء اللاجئين مختلفون تماماً عن اللاجئين الذين عهدناهم في مناطق الصراع في الشرق الأوسط، إنني أرى أناساً متحضّرين ذوي عيون زرقاء وشعر ذهبي، يُقتلون بقذائف بوتين.

الرجل محقّ، فهم فعلاً في أغلبيتهم ذوو عيون ملوّنة، خضراء، زرقاء، وشعر ذهبي، الرجل يقول الحقيقة، فهم بيض ناصعو البياض، مثل هؤلاء البيض المتحضرين تماماً، وذوي العيون الزرقاء والشعر الذهبي، نزلوا قبل قرون أربعة، على شواطئ القارة الأميركية الشمالية، فأقبل عليهم السكان الأصليون البسطاء، وقدّموا لهم كلّ أنواع المساعدة، وجلبوا لهم الطعام والشراب والخيول ليركبوها، وأعطوهم الأرض وبنوا لهم البيوت، وحينما استفاقوا في اليوم التالي، كانت بنادق ومسدسات هؤلاء القادمين البيض المتحضرين، ذوي العيون الزرقاء، والشعر الذهبي، تصطادهم واحداً تلو الآخر، بأطفالهم وشيوخهم ونسائهم ورجالهم، ولا تبقي منهم أحداً، وهم أيضاً مثل البيض المتحضرين، ذوي العيون الزرقاء، والشعر الذهبي، والذين أحضروا السود عنوة من القارة السمراء، وأركبوهم على سفنهم ليستعبدوهم، وحينما كان يمرض أيّ من هؤلاء المساكين في الطريق، يلقونه بـ «طريقة حضارية» إلى أسماك القرش ليتخلصوا من مصاريف طعامه.

هؤلاء اللاجئون البيض الحضاريون، هم أيضاً مثل البيض المتحضّرين، ذوي العيون الزرقاء، والشعر الذهبي، الذين نزلوا على شواطئ أستراليا، فاستقبلهم الناس بإعجاب ومحبة، بهذا اللون الأبيض، والعيون الملونة، والشعر الأصفر الذهبي، ولم يمض طويل وقت حتى كان هؤلاء السكان الأصليون قد أبيدوا عن بكرة أبيهم، وأعلنت أستراليا، أستراليا البيضاء، فأصبحت حكراً على البيض المتحضرين ذوي العيون الزرقاء والشعر الذهبي…

ومثلهم أيضاً بيض متحضّرون، ذوو عيون زرقاء، وشعر ذهبي، وهبوا وطني، ووطن شعبي الفلسطيني لشذاذ آفاق الكرة الأرضية، استقدموهم من كلّ أصقاع الأرض، وقالوا لنا إنّ علينا الرحيل لأنّ بلدنا لم يعد لنا، لقد قرّرنا إعطاءه لأناس آخرين، وحينما حاولنا ان نعترض ونقاوم ذلك، قتلونا بكلّ أنواع تكنولوجيا القتل التي برعوا فيها.

المراسل أصاب كبد الحقيقة، هؤلاء لاجئون من نخب آخر، هم بيض متحضّرون، ذوو عيون زرقاء، وشعر ذهبي، متحضرون حتى النخاع، وحتى الموت، للآخرين…

سميح التايه

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى