أولى

اليمن: تصعيد على طريق الحل

لم يكن الردّ اليمنيّ الشديد القسوة على العمق السعوديّ جواباً على مبادرة مجلس التعاون الخليجي ومن خلفه السعودية لحوار مبتور في الرياض، بنية رفض الحلول، بل تصويب مساراتها، بدليل المبادرة التي أطلقها اليمنيون بعدما أوصلت رسائلهم العسكرية الشديدة اللهجة والعميقة التأثير احتجاجهم على مواصلة التلاعب بعناوين الصراع ومداخل الحل.

اللحظة الدولية والإقليمية تمنح السعودية بصفتها صاحب القرار الأول والأخير بالحرب وبالتالي بوقفها، فرصة مؤاتية لمراجعة سعودية عقلانية وواقعية، تنطلق من حصاد سبع سنوات يقول إن مواصلة الحرب لم يعد فيه أي فرص لتحقيق الأرباح وبات مصدراً حصرياً للخسائر، والخسائر الموجعة، وإذا كان في وقف الحرب خسائر فهي خسائر مؤقتة، بينما خسائر استمرار الحرب هي خسائر متمادية.

الأميركي الذي كان راعي قرار الحرب لم يعد حاضراً، فهو علناً يعلن أولوياته خارج المنطقة، وحرب أوكرانيا التي يعتبرها أولويته الأولى اليوم، لا تحظى من الأميركي بما يرغب السعودي بالحصول عليه في حرب اليمن، أي دور الردع الاستراتيجي بوجه الخصم الذي تمثله روسيا في أوكرانيا، وتمثله إيران في حالة حرب اليمن.

السعودي يقرأ ترددات المشهدين الأوكراني والإيراني بالعيون الأميركية، ويبدو أنه يستوعب معنى التراجع الأميركي الاستراتيجي من جهة، الانتهازية الأميركية القائمة على الاستعداد لبيع الحلفاء لقاء تحقيق مكاسب أنانية من جهة أخرى. وهذا ما يقوله السعوديون علناً عن توصيفهم لمبررات موقفهم الانفتاحي على روسيا والصين من جهة، وخيارهم التفاوضي مع إيران من جهة مقابلة.

إيران تعلن جاهزيتها للمساعدة على حل يوقف الحرب لكن بشرط اقتناع السعودية بوقف العدوان ورفع الحصار والإقرار بأن أنصار الله قوة سياسية شعبية يمنية وطنية وليسوا مجرد امتداد لإيران يؤمر فيطيع.

الانفتاح الإماراتي على سورية يمهد الطريق للسعودية للتحصن بمشهد عربي جديد، أكثر توازناً، يمكن عبره فتح قنوات البحث بالعلاقات العربية الإيرانية، عبر «الاستعانة بصديق»، والرئيس السوري بشار الأسد، بالرغم من كل الأذى السياسي والمعنوي والمادي الذي تسبّب به لسورية موقف دول الخليج، لا يضع السعودية وقطر في منزلة واحدة، ومستعدّ لفتح صفحة جديدة مع السعودية ومساعدتها في الحوار مع إيران، بل وفي ملف الحرب اليمنية، من موقع علاقته الخاصة بأنصار الله.

التصعيد اليمنيّ على مواقع الطاقة في السعودية والتعليق السعودي بعدم القدرة على الوفاء بمتطلبات السوق، تعبيران منفصلان عن فرصة التلاقي إذا أحسنت الرياض التقاطها، بالقول للأميركي سنحلّ مشاكلنا مع اليمن بأيدينا وتحملوا مشاكلكم في سوق الطاقة ولا ترموها علينا.

ملاقاة السعودية للمبادرة اليمنية بوقف العمليات لثلاثة أيام، وفتح الطريق بعدها نحو رفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة وإعلان هدنة رمضان، سيفتح الباب لحوار سعوديّ يمنيّ نحو الحل.

اول ما يستدعي التصحيح هو الإقلاع عن الإصرار على التوصيف الخاطئ للحرب، فهي ليست حرباً يمنية يمنية، ولا هي حرب سعودية إيرانية، بل حرب سعودية يمنية، وهي لذلك عند وضع أسس حلها من هذا المنطلق تفتح الباب لحوار يمني يمني يحل المشاكل الداخلية، وحوار سعودي إيراني حول السلام الإقليمي.

هل تواصل السعودية مسار الانفصال عن وهم الرعاية الأميركية وتلتقط الفرصة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى