نقاط على الحروف

ماذا قال عبداللهيان للحلفاء في بيروت؟

 ناصر قنديل

– تذكّرت الشخصيات السياسية والإعلامية التي استضافتها السفارة الإيرانية في بيروت للقاء صباحيّ مع وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان، يوم الجمعة الماضي، مع نهاية زيارته الى بيروت، مضمون كلام عبداللهيان الذي تحدّث لأكثر من ساعة عن مفاوضات الاتفاق النووي وحواراته مع المسؤولين اللبنانيين والحوار مع السعودية، بعد ساعات على اللقاء عندما بدأت تطورات الأحداث تكشف خلفيات كلام عبد اللهيان، سواء مع زيارة الممثل الأوروبي في مفاوضات فيينا انريكي مورا الى طهران، ومن بعدها إعلان عبد اللهيان عن التوصل لمسودة للاتفاق بتوافق إيراني أوروبي روسي صيني ينتظر الموافقة الأميركية، أو مع جولة التصعيد الشديدة القسوة على جبهة الحرب بين اليمن والسعودية، والإعلانات المتبادلة عن مبادرات لوقف النار، ليصير الانطباع المشترك على كل الأصعدة، أن المنطقة على موعد مع تحوّلات كبرى قريبة، وربما قريبة جداً.

– يرتكز عبد اللهيان في أحاديثه الى خبرة دبلوماسية تعينه على تغليف المواقف الواضحة التي يريد إيصالها بلغة ومفردات وسرديات بقدر من التورية والغموض وإمكانية التأويل، بما لا يصيب مهمته كدبلوماسي بالأذى، ولا يشعر محدثه بأنه يسمع كلاماً تقليدياً يمكن قراءة مثله في الصحف، ويلقي على عاتق المتلقي مسؤولية الاستنتاج الذي يريده عبد اللهيان أصلاً، لكنه لم يقم بقوله، وعبد اللهيان الذي يختزن خبرة ثلاثين عاماً في وزارة الخارجية الإيرانية منذ تعيينه خبيراً سياسياً في الوزارة عام 1992، ثم نائباً للسفير الإيراني في بغداد عام 1997 قبل أن يصبح نائباً لوزير الخارجية لشؤون الخليج، فيصير شبه متخصص بالملف العراقي الذي سيتولاه من مواقعه المتعددة كمساعد خاص لوزير الخارجية في ملف العراق عام 2003، أو كنائب للوزير لشؤون الخليج والشرق الأوسط عام 2006، او كرئيس لقسم العراق في الوزارة، ثم كنائب لوزير الخارجية لشؤون الدول العربية والإفريقية، ليجمع منذ العام 1998 الى علاقته الخاصة بقائد فيلق القدس في الحرس الثوري خبرة خاصة بالعلاقة مع فصائل المقاومة، خصوصاً مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وقد تولى عام 2007 إدارة الحوار الإيراني الأميركي العراقي بتكليف من الجنرال قاسم سليماني، بعدما طلب الأميركيون من سليماني عبر وسطاء عراقيين، تحت عنوان تأمين العراق تحت مظلة الأمم المتحدة لصيغة جيران العراق والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.

– بنى عبد اللهيان سرديته للملفات التي تناولها، على استعادة محطات من ذاكرته كنائب لوزير الخارجية وما تخللها من لقاءات مع الشخصيات ذاتها أو الحكومات ذاتها التي تدور حولها الملفات، فهو يستذكر كلامه مع وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل ليشرح مضمون موقف طهران من العلاقة الثنائية، ومن فرضيات التعاون الإيراني السعودي في لبنان. ويستذكر حواراته مع الأميركيين ومع الأوروبيين لشرح مضمون موقف طهران من التفاوض حول الملف النووي، وتمييز الأساسي من الأقل أساسية، والثوابت من مواضيع التفاوض، ويستذكر كلامه مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل عشر سنوات ليُعيد تأكيد أن جهوزية إيران لدعم لبنان كانت وستبقى مفتوحة المجالات والسقوف، إذا تجرأ لبنان!

– في الملف النووي تبقت أربع نقاط عالقة، منها الضمانات الاقتصادية التي شرحها عبد اللهيان للمرة الأولى أنها تعني ضمان مواصلة تنفيذ العقود التي تكون الشركات الغربية والعالمية قد وقعتها مع إيران خلال فترة الاتفاق، حتى نهاية مدة العقود، إذا تم الانسحاب مجدداً من الاتفاق. وتبدو هذه هي النقطة التفاوضية الوحيدة التي تحتمل الأخذ والرد، حيث أشار عبد اللهيان إلى أن الأميركيين وافقوا على منح الشركات في هذه الحالة مدة سنة، ثم سنتين ونصف السنة، أي حتى نهاية ولاية الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، بينما طلبت إيران أن تشمل الضمانات طيلة مدة العقود، معطياً مثلاً عن شركة سيمنز التي كان لديها عقد لا يمكن إنهاؤه قبل سبع سنوات، والبحث عن تسوية في هذا البند يبدو مفتوحاً بخلاف بند العقوبات على الحرس الثوري وبندين آخرين لم يحدد مضمونهما، لكن يبدو أنهما يتصلان بالعقوبات أيضاً، من خلال إشارته إلى أن أحدهما خط أحمر إيراني، وربما يكون بينها العقوبات الأميركية على مرشد الجمهورية الإسلامية الإمام السيد علي خامنئي، وربما يكون محسوماً قبول الأميركيين بالطلب الإيراني في هذا المجال لعلمهم بحساسية الأمر، إذا تم التفاهم حول الضمانات الاقتصادية العالقة. وهذا ما يعني أن الصيغة التي تم التوصل إليها تفاوضياً مع انريكي مورو تطال الضمانات، ما فتح طريق الاتفاق الشامل.

– في العلاقات الإيرانية السعودية، ينوه عبد اللهيان بالاهتمام اللبناني الاستثنائي بهذا الملف، ما يجعل بيروت المكان الوحيد الذي يطرح فيه السؤال باهتمام بالغ حول هذه العلاقات، لكنه يلفت الانتباه الى أن الاهتمام السعودي يضع اليمن أولوية، مستذكراً أن سعود الفيصل الذي اقترح عليه ان يكون لبنان أولوية دعاه الى تثبيت تعريف لبنان كمساحة للترفيه والسياحة، متابعاً أن إيران تنظر الى لبنان باعتباره مساحة صنعت مكانتها المقاومة، داعيا آنذاك سعود الفيصل لتحييد النظرتين الإيرانية والسعودية لصالح مساعدة اللبنانيين على التلاقي لصناعة نظرتهم المشتركة. أما حول الأولوية اليمنية لدى السعودية بحسابات اليوم فإيران تتمسك بشروط اليمنيين لوقف العدوان ورفع الحصار، لكن في اللغة والنبرة تغيير واضح من الجانب الإيراني لصالح الاستعداد للمساعدة في صناعة الحل، استعداد كانت حدوه السابقة حتى في أيام حكومة الرئيس الشيخ حسن روحاني الإصلاحي، وقد قالها الوزير محمد جواد ظريف في لقاء جمعني به قبل سنة، بأن سقف ما يمكن لإيران تقديمه هو تسهيل اللقاء بين السعودية والجانب اليمني، فيما يذهب كلام عبد اللهيان الى أبعد من ذلك إذا نضجت المقاربة السعودية لصالح التسليم بأن وقف العدوان ورفع الحصار من اولويات أي سعي جدّي للحل.

– مقاربة الملفين النووي واليمني لا يغيب عنها الحضور الوازن لمتغيرات الحرب في أوكرانيا، حيث تأكيد إيران لتمايزها عن الموقف الروسي من مبدأ الحرب، والتمسك بالحل السلمي التفاوضي، لكن مع شرطين يجعلان القرب من موسكو والتطابق مع بكين يغلبان على النظرة الإجمالية، لا للحرب، لكن لا للعقوبات، مع إضافة لا بد منها، أن استفزازات واشنطن هي التي تتحمل مسؤولية التصعيد الذي دفع بموسكو للخيار العسكري، وبما أن الحرب قد وقعت وصار الموقف منها تسجيلاً لموقف مبدئيّ، والعقوبات مستمرة متمادية والموقف منها سياسي وعملي، لم تسمح إيران ولن تسمح بتعريض العلاقة بموسكو للاهتزاز، ولا بالاستثمار الأميركي على التمايز. ومن نتائج الحرب وتداعياتها، قراءة إيرانية بفرص أفضل للاتفاق النووي بشروط أقرب لما تريده إيران، وبداية ظهور لقراءة إقليمية واقعية تعترف بصحة الدعوة الإيرانية لدول المنطقة بعدم الوقوع في أوهام الحماية الأميركية، وبالتالي استعداد للانفتاح على التفكير بحلول لمشاكل المنطقة بتعاون دولها وشعوبها. وهذا معنى تشجيع إيران للانفتاح العربي عموما والخليجي خصوصاً على سورية.

– في الشأن اللبناني، عناوين اقتصادية، تتركز على استعداد إيراني عالٍ للمساعدة، بمعزل عن مصير الاتفاق النووي والعقوبات، وعتب شديد على ربط الأمرين ببعضهما من الحكومات اللبنانية المتعاقبة بخلاف حكومات أخرى في المنطقة أكثر قرباً من أميركا كالعراق وتركيا وباكستان حصلت على استثناءات أميركية من العقوبات وتشتري من إيران الكهرباء والغاز، بينما الحكومات اللبنانية تخشى مجرد التفكير بطلب الاستثناء، وترهن أي تعاون برفع العقوبات الأميركية. وهو ما نقله عبد اللهيان عن الرئيس ميقاتي في رده على العرض الإيراني القديم المتجدد بالاستعداد لبناء معملين لتوليد الكهرباء بطاقة ألف ميغاواط لكل منهما، بالإضافة للاستعداد لتقديم حل سريع بصفة مؤقتة لحين جهوز المعامل عبر بيع الكهرباء للبنان بوساطة الاستجرار عبر شبكة الربط الكهربائي مع العراق فسورية فلبنان، ضمن مهلة لا تتعدى بضعة شهور، وعن عملة التعاون التجاري يجيب عبد اللهيان أن إيران مستعدة لاعتماد الريال الإيراني والليرة اللبنانية لتعاملات البلدين، مضيفاً تأمين الغاز والمازوت والطحين والدواء للبنان ضمن صيغ التعاون الممكن، إذا تجرأ لبنان شارحاً بلغة الخير تفاصيل كل من هذه العناوين، فهو يعلم أن إيران تحول قمحها طحيناً وتبيعه لدول الجوار، وان إيران تنتج ثمانين الف ميغاواط كهرباء، وأن أسعار الدواء الإيراني واحد من عشرة من الأسعار العالمية، وأن الأمر يحتاج إلى استكمال شروط التسجيل القانونيّ.

– بدلاً من جواب يائس على فرص التعاون بداعي تبعية الحكومات للسياسات الأميركية أو مراعاة المعنيين للضوابط الأميركية، تتوقع إيران من الأصدقاء أن يمارسوا الضغوط لصالح التعاون طالما أنهم يرونه مصلحة لبلدهم، لأن ليس لدى إيران مصالح تجارية او سياسية في ذلك، وهي تعرض التعاون عبر الحكومة اللبنانية، وليس عبر الحلفاء ليقال إن في الأمر سياسة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى