نقاط على الحروف

حلفاء المقاومة وخصومها: ماذا عن البرامج الانتخابيّة والأغلبيّة؟

 ناصر قنديل

– مع نهاية تسجيل اللوائح الانتخابية رسمياً يبدأ العدّ التنازلي للمعركة الانتخابية، رغم بقاء الكثيرين في دائرة الشك بإجراء الانتخابات، وانطلاق المعركة الانتخابية يطرح قضية الشعارات الانتخابية والبرامج الانتخابية على الطاولة. والبرامج الانتخابية هي الوقود السياسي للمعارك الانتخابية وهي الغذاء الذي يمنح هذه المعارك بريقها وحيويتها، ويجعل التنافس مرتبطاً بتقديم الرؤى المتصلة بحاجات الناس المباشرة والرئيسية. والبرامج الانتخابية، ليست مجرد نسخ وتكرار للمبادئ العامة للأحزاب التي تشكل اللوائح الانتخابية تصلح لكل دورة انتخابية، ولا هي الشعارات التعبوية لشحذ الهمم للمشاركة في الانتخابات، بخلفية الرسائل السياسية التي ستوجهها حول عناوين الاشتباك السياسي الخارجي والداخلي، لأن البرامج الانتخابية هي ببساطة، ليست مجرد تبشير ولا تصلح أصلاً للائحة بعينها، بل هي مضمون حركة وتوجهات يلتزم بها تحالف انتخابي واسع يريد أن يقول للناخبين، هكذا سأتصرّف إن نلت الغالبية النيابيّة التي تخوّلني تسمية رئيس حكومة، والسيطرة على الأغلبية الحكوميّة. وهذه هي الحلول التي سأطبّقها لحل المشاكل الرئيسية للبلاد، أو للجزء الممكن حله في مدى الدورة الانتخابيّة، ووضع الأسس لحلول متوسطة وبعيدة المدى للمشاكل البنيوية العميقة الجذور.

– جعلت المعركة السياسية التي تخاض ضد المقاومة من حلف دولي إقليمي تقوده أميركا والسعودية، وصارت الكثير من القوى المحلية التقليدية أو المولودة حديثاً مجرد امتداد له، من الانتخابات محطة مفصلية في رسم موقع لبنان الإقليمي لجهة مكانة خيار المقاومة من جهة، وتوازن القوى الدولي الإقليمي المحيط بعملية تكوين السلطة، من جهة مقابلة، لكن من المبالغة القول إن مصير المقاومة يتقرّر على ضوء نتائج الانتخابات. فها هي الانتخابات العراقية، حيث انقسمت البيئة الطائفية التي تستند إليها قوى المقاومة بخلاف لبنان، وجاءت أغلبية نيابية ضدها وهو ما يبدو مستحيلاً في لبنان. وتجربة المقاومة ومهابتها وإنجازاتها وقوتها هناك اضعف بكثير من المقاومة في لبنان، ورغم كل ذلك لم تنجح محاولات تجاوز المقاومة كشريك في المعادلة السياسية العراقية، فكان الحصول على الثلث النيابي المعطل كافياً للتحكم من موقع الشراكة الكاملة في مستقبل المسار السياسي العراقي. ونيل مثل هذا الثلث هو تحصيل حاصل في لبنان، بل يبدو أن نيل الأغلبية وارداً بقوة.

– معاينة الشعارات والبرامج الانتخابية في لبنان تقول إن القوى السياسية عموماً أخفقت في تقديم مقاربات جاذبة للبنانيين لحثهم على المشاركة بكثافة أملاً بأن فوز الفريق الذي سيمنحونه اصواتهم سيحمل لهم حلولاً للمشاكل التي يشكون منها، ورغم تفوق قوى المقاومة وحلفائها في شعاراتهم الانتخابية وصدقيتها، بتركيزها على جانب صحيح، لكنه غير كافٍ، لتلخيص المشهد الانتخابي، وهو الجانب المتصل بإيصال رسالة قويّة للخارج الذي يريد اختبار نتائج الضغوط في إضعاف الالتفاف حول المقاومة، تقول إن هذه الضغوط لم تحقق شيئاً، وان المقاومة تحظى بزخم شعبي في بيئتها وتحالفاتها، ما يستدعي من الخارج الواقف وراء حملة الاستهداف ان يعيد النظر بحساباته ورهاناته، لكن هذا التركيز الصحيح لا يجب ان يكون عذراً لعدم تقديم برنامج انتخابي يجيب على المشاكل المطروحة بقوة والتي تضغط على اللبنانيين بكل وجوه حياتهم كل يوم.

– الضفة المناوئة للمقاومة بكل تلاوينها، تحوّلت الى جوقة زجل ليس لديها ما تقوله الا تسويق وهم يعرف كل لبناني انه بلا معنى. فالحديث عن السعي لنيل أغلبية مناوئة للمقاومة كهدف، يجيب على الأسئلة الأساسية، يتسبب بسخرية كل من يتذكر أنه في مرات متتالية كان هؤلاء المناوئون للمقاومة يملكون الأغلبية ومعها الحكومة، وحاولوا محاصرة المقاومة ونزع شبكة اتصالاتها بتحريض ودعم خارجي، لكنهم فشلوا وذهبوا الى اتفاق الدوحة يمنحونها قانون انتخاب وثلثاً ضامناً في الحكومة صالحاً لتعطيلها ومنعها من أي قرار لا ترضاه المقاومة، ولم يستطع هذا الخارج يومها فعل شيء سوى التشجيع على الاتفاق، بينما لم يكن منشغلا عن لبنان كما هو اليوم.

– القوى الجديدة التي ادعت أنها مختلفة، من تشكيلات مجتمع مدني ومسميات ثورة وتغيير، قدمت صورة كاريكاتيرية عن المشهد السياسي التقليدي، مرة بحجم جشعها السلطوي وسيطرة أنانياتها على مفاوضات تشكيل اللوائح بحيث بات محسوماً انها ستخسر فرصة نيل عدد وازن من المقاعد يخولها لعب دور سياسي يحسب حسابه في البرلمان الجديد. ومرة أخرى بغياب البعد البرنامجي عن معركتها الانتخابية، فهي تخوض معاركها الانتخابية تحت واحد من شعارين تنقسم على أساسهما، واحد عنوانه الأولوية لتشكيل جبهة مناوئة للمقاومة، وثانٍ عنوانه “كلن يعني كلن”، بحيث يصير البرنامج مجرد ديكور انتخابي، بدلاً من أن يكون البوصلة التي تنتج الخلافات والتحالفات.

– مشكلة المقاومة وحلفائها، في العجز عن التصرف كأغلبية جاهزة للحكم، ليس لأن هناك ما يجب ان تخشاه من تحمل مسؤولية الحكم، فما كان يجب ان تخشاه في الماضي من خطر عقوبات وإفلاس مالي وقع وانتهى، بل الصحيح هو العكس، فلم يعد ممكناً سلوك طرق الحلول الا بتولي من يمكن أن تستهدفهم العقوبات مواقع المسؤولية، أي الذين لا يقيمون حساباً للعقوبات على أشخاصهم، فيجرؤون على السير بحلول متاحة للعديد من الملفات، خصوصاً في قطاع الطاقة الحيوي جدا جدا في الاقتصاد والميزان المالي وسعر الصرف. المشكلة ان تناقضات الحلفاء تطغى على فرص اجتماعهم في جبهة واحدة، وهم يدركون انه دون أغلبية لا فرص لتقديم حلول، والمشكلة الأعقد أن كلاً منهم حوّل الخلاف مع الحليف المفترض الى مضمون تعبوي في معركته الانتخابية، بعدما قام بشيطنته الى الحد الذي يصعب معه إقناع جمهوره بأنه حليف، ورفع الموقف من طلبات هذا الحليف المفترض الى حد الالتزام بمنع تحقيقها كشعار انتخابي تعبوي.

– ماذا لو استطاعت المقاومة والحلفاء التفاهم على ورقة عمل، قوامها سبعة بنود، 1- تنحية المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت و2- إقالة حاكم مصرف لبنان و3- تسليم حقيبة الطاقة لمرشح يسميه حزب الله لوضع الحلول التي وردت في خطابات امينه العام موضع التنفيذ، خصوصاً مصافي النفط ومعامل الكهرباء دون تكليف الدولة بأية نفقات وبيع منتجاتها بالليرة اللبنانية، و4- الذهاب لقانون انتخابات خارج القيد الطائفي ولبنان دائرة واحدة وفق النظام النسبي مع إنشاء مجلس للشيوخ، و5- تحويل الدوائر الانتخابية الحالية الى محافظات تطبق فيها اللامركزية الإدارية، و6- تكريس انتخاب الوزير السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية المقبلة، و7- بالمقابل الالتزام المبدئي بترشيح النائب جبران باسيل للدورة المقبلة، وانتقاء ما يناسب من هذه البنود لإعلانه كبرنامج انتخابي، إبقاء ما يلزم منها طي الكتمان؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى