أولى

عواصف رمضان السياسيّة

سعادة مصطفى أرشيد _

تمّ تشكيل الحكومة (الإسرائيلية) الحالية بعد مخاض من أربع دورات انتخابية غير حاسمة، إلى أن شكلت هذه الحكومة برعاية أميركية، حيث توافق القرار الأميركي مع رغبة أطراف الائتلاف الذي شكل الحكومة بضرورة الخلاص وحتى القضاء على ديناصور السياسة (الإسرائيلية) بنيامين نتنياهو.

عداء نتنياهو كان عنصر بقاء الحكومة، كما الاتفاق العام في الرأي حول خطورة توقيع إيران اتفاقها مع الغرب الوشيك التوقيع ـ على ذمة معظم مصادر الأخبار، فيما أخذت عناصر انفراط عقدها تظهر بوضوح بسبب اختلاف الرؤى حول ملف الحرب الروسية ـ الأوكرانية والملف الإقليمي والفلسطيني، فهل ستصمد هذه الحكومة، خاصة مع ما يحمله شهر رمضان من توتر وكانت الحكومة (الإسرائيلية) الحالية قد تشكلت بعد مخاض عسير من أربع دورات انتخابية وارتفاع احتمالات الاشتباك؟ وما هي المخاطر من رحيل الحكومة خاصة أنّ التجربة قد أثبتت أن الحكومات (الإسرائيلية) الضعيفة والمهدّدة بالرحيل كانت على الدوام الأكثر عدوانية وشراسة والأكثر جرأة على اتخاذ قرارات مغامرة .

في حين التزم رئيس الحكومة نفتالي بينيت بالحياد تجاه الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وكان الزائر الأول لموسكو إثر اندلاع الحرب حاملاً وساطة تمّ تنسيقها مع المستشار الألماني ورسائل فاحصة لمعرفة مصير توريدات الغاز الروسية لألمانيا، ولكن ما كان يهمّ نفتالي بينيت أولاً هو الاطمئنان إلى أنّ موسكو ستبقى ملتزمة بقواعد الاشتباك في سورية، بما يسمح لـ (إسرائيل) بهوامش عمل واسعة تستبيح بها الأجواء السورية، وقد نجح في ذلك مقابل تعهّد (إسرائيل) بالحياد في الأزمة الأوكرانية والتعهّد بعدم تزويد هذه الأخيرة بالسلاح والتكنولوجيا العسكرية أو القباب الحديدية، في حين يرى وزيرا الخارجية والدفاع غير ذلك، وزير الخارجية مئير لبيد، يتهم الروس بارتكاب جرائم حرب في مدينة بوتشا الأوكرانية، ويرى أنّ (إسرائيل) يجب أن تكون حيث تكون واشنطن في هذه الحرب، أما وزير الدفاع بيني غانتس، فيرى أنّ على بلاده الانحياز لأوكرانيا وتزويدها بما يلزمها (بيعها)، وهو يؤكد كما نظيره في الخارجية أنّ الجيش الروسي يرتكب جرائم حرب، مقدّماً دروساً في الإنسانية والأخلاق القتالية وحقوق المدنيين، أما بما يتعلق بتفاهمات رئيس حكومته مع موسكو في روسيا، فهو يرى ويصرّح أنّ على بلاده وجيشه أن تكون لديه الجاهزية للعمل في أيّ مكان في الشرق الأوسط سواء بتفاهمات أو بدونها .

الوضع الإقليمي وسبل التعامل مع الوضع الفلسطيني بدورها مجال خلاف فلا يزال نفتالي بينيت يرفض التعامل واللقاء مع رئيس السلطة بشكل مباشر، حيث إنه يرى هذا الملف لا يندرج تحت عنوان السياسة، وإنما الأمن، وما يدعم الأمن من تسهيلات اقتصادية مطاطة، تضيق أحياناً وتتسع حيناً آخر. وهو يرى في أنّ قائد المنطقة الوسطى في الجيش (الإسرائيلي) ومنسق نشاطات الجيش في الضفة الغربية هما المستوى الأعلى الذي عليه التعامل مع السلطة الفلسطينية ورئيسها؛ يخالف هذا الرأي وزير الخارجية يئير لبيد الذي كان يريد مشاركة السلطة الفلسطينية في لقاء النقب وأعلن في ختام ذلك اللقاء أنّ السلطة الفلسطينية ستشارك في اللقاءات المقبلة للناتو الشرق أوسطي. فيما يرى رئيس الحكومة أنّ السلطة الفلسطينية ليست إلا حكماً ذاتياً محدوداً له وظيفته الإدارية ـ الاقتصادية ـ الأمنية وهو ملحق بالمركز، ولا يملك شخصيّة الدولة التي تؤهّله لامتلاك مكانة دولية أو إقليمية، وبالتالي لا مكان له في الترتيبات أو اللقاءات الإقليمية، وهو لا يجد ما يقدّمه للسلطة الفلسطينية إلا تسهيلات اقتصادية ـ حياتية وظيفتها الحفاظ على الهدوء واستمرار التنسيق الأمني، أما وزير الدفاع بيني غانتس فهو وإن كان لا يوجد له المزيد ليعطيه للسلطة الفلسطينية إلا انه مُصرّ على أن يحافظ على لقاءات متباعدة مع أبي مازن وإلى الحدّ الشخصي والعائلي، إذ استقبل وعائلته، الرئيس الفلسطيني وزوجته في بيته قبل فترة قصيرة. وهو يرى أن من الخطأ تجاهل السلطة ورئيسها وإفقادها مكانتها أمام جمهورها، ويعلن أنه مستمرّ في الاتصال معتبراً أن تجاهله ينمّ عن نظر قصير .

شهر رمضان كان لسنوات خلت شهر مواجهات مع الاحتلال، عسكريّة من غزة وشعبية في الضفة، وفي ظني أنّ شهر رمضان الحالي لن يكون خروجاً عن تقليد السنوات الماضية إن لم يتجاوزها، الهشيم متراكم من أمّ الفحم وجسر الزرقا في الداخل الفلسطيني مروراً جنين والمسجد الأقصى حتى غزة، في الداخل والضفة الغربية، وكان (الإسرائيلي) انتقل من وضع الدفاع إلى الهجوم الأمر الذي بدا في اجتياح مخيم جنين منذ أيام، وهو حريص على قتل المقاومين أكثر من اعتقالهم، وتتهم (إسرائيل) السلطة بالتراخي غير المبرّر في بذل الجهد لضبط الأوضاع خاصة في شمال الضفة الغربية، وسهرات شباب القدس في باب العامود تحوّلت إلى مواجهات ليليّة مع شرطة الاحتلال، فيما يحتشد يومياً عشرات آلاف الفلسطينيين للصلاة والعبادة في المسجد الأقصى، فيما يدخل عليهم يومياً المستوطنون المسلحون ومعهم شرطة الاحتلال، الخميس الماضي دخل هؤلاء ومعهم عشرات الحاخامات من مجلس (السنهدرين) لمعاينة المواقع التي سيدخلونها بالآلاف وبسلاحهم في منتصف رمضان، وذلك لإقامة شعائرهم بمناسبة عيد الفصح العبريّ، الأمر الذي سيواجه من قبل المصلين الفلسطينيين العزل إلا من إيمانهم بضرورة الدفاع عن المسجد المقدس، وذلك ما ستكون له نتائج دامية، عند حدّ معيّن قد تشارك غزة وغيرها كلّ على طريقته.

هكذا كان وضع الحكومة التي حاولت واشنطن ومعها عواصم عربية وإقليمية دعمها وإمدادها بأسباب الحياة، ولكن تباين وجهات نظر أقطابها، ثم الانزعاج الأميركي الواضح من موقف رئيسها حيال الأزمة الأوكرانية الذي التزم الحياد، وهو ما لا تقبل به واشنطن وتتعامل بمنطق إما معنا وإما ضدّنا، لعلّ ذلك كان وراء ما حدث في الساعات الـ 24 الماضية من انسحابات برلمانية من معسكر الحكومة. فالعديد من أعضاء الكنيست يملكون حاسة شمّ مرهفة تضاهي الكلاب البوليسية في قدرتها على اشتمام الموقف الأميركي الذي قد يتخلى عن نفتالي بينيت، مما قد يسارع في رحيل الحكومة .

أكثر ما يهمنا ـ وقد يكون من باب التمني ـ أن تسقط هذه الحكومة ورئيسها وتعلن (إسرائيل) التزامها بالموقف الأميركي وانحيازها لأوكرانيا، الأمر الذي يسقط التفاهمات بينها وبين موسكو حيال سورية.

*سياسيّ فلسطينيّ مقيم في الكفير ـ حنين ـ فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى