أولى

أوروبا والحرب الطويلة في أوكرانيا

لا يمانع الأميركيون بطول الحرب على أوكرانيا، بل هم يشجّعون الرئيس الأوكراني على المزيد من التشدد في المفاوضات لإحباط فرص التوصل لحل سياسي، بينما تبدو روسيا غير مستعجلة لإنهاء الحرب. فهي بالنسبة اليها مجرد نار هادئة أشعلتها لتنضج عليها طبخة دولية وضعت لها أهدافاً بحجم تغيير النظام العالمي وإنهاء الهيمنة الأميركية. وطالما ان موسكو لا تخشى تدخلاً عسكرياً أميركياً منذ بداية الحرب، ولم تعد تخشى تداعيات العقوبات المالية بعدما نجحت باحتواء آثارها خصوصاً على سعر صرف الروبل، فهي مرتاحة للسير البطيء للحرب التي تديرها على ثلاث جبهات، جبهة أوكرانية أوكرانية عنوانها منطقة دونباس، وجبهة روسيا أوكرانية عنوانها حياد أوكرانيا، وجبهة روسية أوروبية عنوانها إمدادات النفط والغاز والدفع بالروبل، وكلها جبهات يعني الفوز فيها أرباحاً هائلة في معركة إنهاء الهيمنة الأميركية، ولذلك تقول موسكو لماذا العجلة؟

القيادة الأوكرانية التي ترى أن بلدها يتحوّل الى دمار، وأن اقتصادها يصير ركاماً، وان سكانها يتحوّلون لاجئين، وأن لا أمل يُرجى من تدخل أميركي او غربي يغير وجهة الحرب، وأن كل السلاح الذي يأتيها يمكن له أن يؤجل الهزيمة لكنه لن ينجح بردها، وأن الرهان على فعالية العقوبات في تجفيف القدرة المالية الروسية قد خاب، وان الأمور محسومة لجهة عدم تجاوب أوروبا مع الدعوات للمخاطرة بالتوقف عن شراء النفط والغاز من روسيا، علماً أن بمستطاع روسيا ان تبيع لغير أوروبا مادة حيوية يتسابق العالم عليها، فهي تمضي بالمماطلة خدمة للمصالح الأميركية، ولا تأبه لمصير بلدها.

الرهان الأوروبيّ على تحمل الزمن اللازم لتتعب أوكرانيا وتقتنع بلا جدوى الرهان على الدعم العسكري، او على العقوبات المالية، فتقبل الشروط الروسية، وتنقذ أوروبا من المأزق، أو على التعب الروسي بفعل العقوبات، أو خسائر الحرب في أوكرانيا فتبحث عن مخرج أقل تشدداً، يبدو رهاناً عبثياً. فكلما طال أمد الحرب بدت أوروبا وحدها تدفع أثماناً باهظة وتستنزف بما لا يدع لها مجالاً للتنفس، من ارتفاع الأسعار الى أزمة بدائل الطاقة المكلفة، الى كلفة اللاجئين الأوكرانيين، والفوضى السياسية الناجمة عن كل ذلك، وتبدو أوروبا ذاهبة الى أزمات متلاحقة ما لم تبادر دولها الوازنة الى التفاوض المباشر مع روسيا على خريطة جديدة للأمن في أوروبا التي تشكل فيها روسيا ركناً رئيسياً، ومن ضمن الخريطة أمن الطاقة!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى